قلنا إنها السياسة التى تفسد كل شىء. وهذه الاتهامات والهتافات التى تريد هدم المحكمة الدستورية والقضاء لأنها قضت ببطلات قانون باطل. والجموع تطالب بإلغاء المحكمة، وتعيين آخرين يمكنهم إصدار أحكام تناسب مزاج الرئيس وجماعة الإخوان، ومكتب الإرشاد، وتتجاهل الفصل بين السلطات، ولاتبغى استقلال القضاء. وحشد أنصار الجماعة أمام مجلس الدولة أثناء نظر الدعوى ليطالبوا بإلغاء حكم الدستورية أو تطهير القضاء، يفتح الباب لكل من لايأتى الحكم على هواه ليطالب بمحكمة تناسبه.
ينضم حلفاء الجماعة ليواصلوا اتهام المحكمة بكل النواقص، ومنهم قضاة تخلوا عن احترامهم للمنصة التى كانوا يجلسون عليها، لم يعتبروا الأمر خلافا قانونيا، واعتبروه معركة حياة أو موت. حتى لو كانت هناك مشكلات فى المؤسسة القضائية تحتاج إلى إصلاح، فعلينا الأخذ فى الاعتبار أن القضاء مثل كل المؤسسات.. الإعلام والشرطة والحكومة والطب والمحاماة، فيه الجيد والسيئ ، وما يحتاج للإصلاح، لكن الإصلاح ليس بصبه فى قالب يرضى طرفا واحدا.. ولا فى استخدام الضغط والتخويف والاتهامات الجزافية. وإنما بقواعد يتراضى عليها المجتمع كله وليس فصيلا أو تيارا.
لم تتعرض مؤسسة للهجوم والشتم أكثر من القضاء قبل الانتخابات وبعدها، ضمن حالة من الديمقراطية المطاطية التى تتعامل حسب الهوى، وحتى لاننسى فإن نفس المحكمة التى يطالب متظاهرو الإخوان وحلفاؤهم برجمها، كانت قبل أيام فى السماء، المحكمة الدستورية ورئيسها هما اللذان أعلنا مرسى رئيسا، وتلقوا اتهامات قبل النتيجة، وتم اتهامهم بأنهم مزورون ومتلاعبون ومتواطئون، ورئيسها السابق فاروق سلطان كرمه الرئيس ومنحه نوطا.
وحتى لاننسى فإن نفس القضاء هو الذى أشرف على الانتخابات التشريعية التى أتت بالإخوان فى مجلس الشعب، والشورى والنقابات، والقضاء هو الذى ألغى قرار الضبطية القضائية للشرطة العسكرية، فهل كان جيدا عندها، قبل أن يطالبوا برجمه وتدميره. الآن القضاء والمحكمة الدستورية مدانون ويحتاجون للتطهير، ويهتف الإخوان ضدها فى الميادين ويحرضون الرئيس على فصل القضاة وتعيين غيرهم، متجاهلين أهم مبادئ الحكم الرشيد «الفصل بين السلطات».
المثير أن قضاة يشاركون فى هذه الحملة ضد القضاء، ومنهم أسماء كبيرة كانت محسوبة على قضاة الاستقلال، يطالبون بتصفية القضاء لصالح السلطة التنفيذية، فقدوا أهم ما يميز القاضى، وهم من أخرجوا القضاء من المنصة للشارع، لكنهم لايحترمون منصة غيرهم، ويساندون القوة على حساب الحق. لينسفوا كل ماكانوا ينادون به أيام مبارك، ويراهنوا على ذاكرة مثقوبة، بينما الشعب الذى ساندهم سابقا، لم يعد يصدق أغلبهم.
لقد تحول القضاء إلى ملطشة، وأى محام أو سياسى يختلف مع الإخوان أصبح مصنفا على أنه فلول، وتابع للعسكر. وأعضاء الجماعة يساقون للمحاكم والميادين ليهاجموا القضاء، ويطالبون بسقوطه، وهو نفس القضاء الذى هتفوا له عندما فازوا فى البرلمان، والنقابات، والرئاسة.. إنها «المطاطوقراطية» التى تطالب اليوم بما كانت تعارضه أمس.