إبراهيم عبد المجيد

لغز الداخلية «1-2»

الجمعة، 13 يوليو 2012 12:52 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
وزارة الداخلية المصرية صارت لغزا حقيقيا.. لقد كانت وحدها السبب الأكبر فى اندلاع ثورة 25 يناير، ولم يكن خافيا على أحد ما تقوم به بعض أجهزتها، خاصة أمن الدولة والمباحث العامة، من تجاوز للقانون فى معاملة المصريين، لم يكن هذا جديدا، كان قديما منذ ثورة يوليو 1952 حين دخلت الدولة الجديدة فى صراع مع خصومها من اليساريين والإخوان المسلمين والليبراليين أيضا من رجال ثورة 1919، وكانت وزارة الداخلية هى أداتها لقمع هؤلاء بالاعتقالات الطويلة والتعذيب، واشتركت معها أحيانا المخابرات العسكرية، حيث كان السجن الحربى مثل غيره من السجون المدنية مكانا لأولئك الخصوم، لكن ذلك الوقت كانت الدولة تستطيع السيطرة على أجهزة الإعلام، رقابة على الصحف التى صارت كلها ملكا للدولة، وكذلك على الإعلام المرئى والمسموع الذى هو أيضا ملك للدولة، لذلك لم يكن أحد يعرف شيئا إلا القريبين من المعتقلين، ولم تكن هناك أى فرصة لهم لنشر ذلك، فى الوقت الذى كان فيه التشويش كبيرا على الإذاعات الأجنبية، لقد عرفنا كل ذلك وبشكل واسع مع تولى الرئيس السادات للحكم، كان كشفه للتعذيب والاعتقال ومن قاموا بذلك هو مدخله الكبير إلى الحكم وإلى رضاء الناس عنه، ورأينا لأول مرة كتبا عن ذلك تنشر فى مصر وأفلاما عن ذلك يتم تصويرها فى مصر، وهكذا بدا للجميع أن وزارة الداخلية ابتعدت تماما عن ممارساتها أثناء الحقبة الناصرية، ورغم أن الاعتقالات لم تنقطع فى عهد السادات لكن كان معروفا أن التعذيب انتهى فى السجون والمعتقلات، وهكذا حتى اغتيل السادات وجاء مبارك الذى شيئا فشيئا عادت وزارة الداخلية فى عهده لتكون أسوأ مما كانت فى عهد عبدالناصر.. ساءت تصرفاتها فى السنوات العشر الأخيرة بشكل فاق الحدود، خاصة أن وزير الداخلية حبيب العادلى كان من جهاز أمن الدولة، وهكذا أطلق لهذا الجهاز حرية العمل دون أى محاسبة، بل داخل الوزارة نفسها كان ضباط أمن الدولة هم دائما فى المرتبة الأولى على بقية الأجهزة. وبقية القصة معروفة.. انتهت بثورة 25 يناير التى كان أهم الأسباب التى ساعدت على انفجارها هو الإعلام الجديد «الإنترنت» الذى لا يمكن السيطرة عليه، والذى جعل العالم كله جهاز موبايل، هكذا انتشرت فضائح وزارة الداخلية، لذلك اختار الثوار يوم 25 يناير عيد الشرطة القديم بداية لانطلاق ثورتهم، كأن الثورة كلها مكرسة لوزارة الداخلية، جرى ما جرى فى مصر خلال العام ونصف العام الماضيين واختفت وزارة الداخلية من الشارع المصرى الذى شهد موجات غريبة من العنف والبلطجة صارت أحاديث الصحف، وصارت إعادة الأمن إلى الشارع المصرى هى القضية التى يتاجر بها كل شخص فى محاولته إيقاف إيقاع الثورة. وهكذا لم يعد اختفاء رجال الداخلية من الشوارع حتى الآن عملا يعود إلى الوزارة نفسها، بل إلى الثورة، حرب على الثورة ولا يسأل أحد نفسه سؤالا بسيطا عن رجال الداخلية الذين يتقاضون مرتباتهم ولا يقومون بعملهم، رأينا مظاهرات داخل الداخلية نفسها من أمناء الشرطة ورأينا ائتلافات من ضباطها يطالبون أيضا بحقوقهم المالية ورأينا استجابة سريعة لكل هذه المطالب المادية، ورغم ذلك لا تزال الداخلية غائبة عن الشارع. طبعا هناك من يعملون ويزدادون كل يوم لكن حتى الآن لم تستطع الداخلية ضبط إيقاع الشارع، لقد تأخر نزولها لمتابعة المجرمين حتى صار للمجرمين شوكة وقوة ويواجهون رجال الداخلية بالأسلحة الآلية ويصاب البعض ويموت منهم. وهكذا صار هناك من يتحدث عن شهداء الشرطة فى مواجهة شهداء الثورة، وينسى أن شهداء الشرطة لم يكونوا ضحايا الثورة ولكن ضحايا المجرمين، بينما شهداء الثورة هم ضحايا الشرطة.. طيب عام ونصف مضى الآن ونسمع الحديث عن هيكلة الشرطة أو إعادة تنظيم الشرطة ولا يحدث ذلك، لأن أحدا لا يريد أن يقتنع بذلك من الشرطة، كل ما جرى فى العام ونصف الماضيين من هيكلة هو أن الشرطة استوردت قنابل غازية أكثر سمية وتأثيرا فى المتظاهرين وعربات مصفحة لا يمكن التغلب عليها بسهولة، لكن حدث بعد أحداث محمد محمود التى واكبت وزارة الجنزورى وما كشفته عن هذه المعدات الجديدة أن دخلت الداخلية فى حالة من الهدوء مع الثوار. وتعهد وزير الداخلية بأنه لن يتم الاعتداء عليهم، ولم تحدث مواجهات جديدة بين الثوار والشرطة، والثوار بدورهم لم يعودوا يدخلون إلى شارع الشيخ ريحان أو محمد محمود، لكن ظلت قضية الأمن كما هى، وظل غياب الشرطة من الشارع كما هو، هناك دائما من يقول إن رجال الشرطة يتعرضون إذا نزلوا للشارع إلى الأذى من الناس، والذى أعرفه أنا أن الناس لا تؤذى أحدا من رجال الشرطة يؤدى عمله، فلم تحدث حالة اعتداء واحدة على شرطى مرور على قلتهم، ولا على ضابط مرور، كما لم تحدث حالة اعتداء واحدة على شرطى سياحة أو جوازات على سبيل المثال، وبالمناسبة هى نفس الأقسام القديمة التى لم يكن هناك مشكلة بينها وبين الناس على الإطلاق أو موجودة إلى حد ما كما هو فى حالة شرطة المرور التى تحول أفرادها من أمناء الشرطة قبل الثورة إلى أياد مفتوحة للرشوة أو الإكراميات.. طيب لماذا حتى الآن لا تستطيع الشرطة إعادة الأمن إلى الشارع المصرى؟ لا شك أن حالات المجرمين اختلفت كما قلت، وصارت المواجهة معهم خطرة عن ذى قبل بعد أن انتشرت الأسلحة المهربة أو المسروقة، لكن هل حقا لا تستطيع الشرطة إعادة الأمن إلى البلاد؟ سنجيب على هذا السؤال فى المقال القادم.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة