يبدو أن هناك الكثير من الظروف التى أصبحت تلعب ضد حرية الإبداع، فكل شىء بات مهيئا لأن نقول للإبداع والمبدعين «اركنوا على جنب شوية، فالوقت ليس وقتكم» نحن الآن فى عصر صراع السلطات وحرب تكسير عظام، ليس للشعب ناقة فيها ولا جمل، يلعب اللاعبون، ويفوز أحد المتصارعين فى الجولة الأولى ويطرحه الثانى أرضا فى الجولة الثانية، والرحى تدور والمشاهد تتكرر، فكيف لى أن أتحدث عن حرية الإبداع بعد أن تصدر حازم أبوإسماعيل المشهد من جديد يأمر فيطاع وتخرج الجحافل لأنه قرر ذلك، وقد يعتبرها البعض مفارقة عندما أخرج على القارئ فى مثل هذه الظروف وحالة الارتباك السياسى التى نعيشها، ومتابعة صاحب الكتف القانونى فى الصباح، والذى يتحول إلى مهزوم فى المساء، وأصبح هذا هو هم المصريين كل يوم، فكيف لى أن أملك الجرأة لأنفض غبار كل ذلك وأتحدث عن أزمة مهرجان القاهرة السينمائى، بالتأكيد سيعلق البعض مرددا: «يا شيخة ارحمينا إحنا فى إيه ولا إيه، والآخرون سيقولون مهرجان إيه وحرية إبداع إيه، أين كل ذلك من أزمة الدستور والتأسيسية وأزمة القضاء، ومؤسسة الرئاسة والمجلس العسكرى» إلا أننى أصر على الحديث عن أزمة المهرجان التى عادت من جديد بعد قرار محكمة القضاء الإدارى برئاسة المستشار عبدالسلام النجار، نائب رئيس مجلس الدولة بوقف تنفيذ قرار وزارة الثقافة، المتضمن إسناد إدارة مهرجان القاهرة السينمائى الدولى لجمعية يوسف شريف رزق الله، وألزمت المحكمة وزارة الثقافة بإعادة الإعلان عن إسناد إدارة المهرجان بين الجمعيات المتخصصة وفقا لشروط ومعايير شفافة، وذلك بعد أن رفعت وزارة الثقافة يدها عن المهرجان فى عهد عماد أبوغازى، وطالبت الوزارة من خلال المركز القومى للسينما بضرورة تأسيس جمعيات أهلية تتولى هى تنظيم المهرجانات وبالفعل تشكلت جمعية برئاسة يوسف شريف رزق الله وعضوية العديد من السينمائيين والنقاد، واتبعوا كل الإجراءات القانونية وباتوا يعملون بشكل جدى لتخرج الدورة الجديدة من المهرجان فى شكل يليق بمصر بعد ثورة 25 يناير، وتشكلت جمعيات أخرى من المقرر أن تطلق مهرجانات عدة، ولكن يبدو أن الحال لم يعجب البعض والذين لا همّ لهم سوى إيقاف «المراكب السايرة» بغض النظر عما قد تصل إليه الأمور، فهم يرغبون فقط أن يقولوا «نحن هنا مازلنا تحت الأضواء» والكلام عن هذه القضية حاليا ليس لأننى من أنصار «الهشك بشك» - «للأسف عادت تلك النظرة الدونية للفن والمبدعين من جديد» - ولكن لأن الثقافة والفنون فى كل المجتمعات هى القوى الناعمة والأعمق والأكثر تأثيرا فى العالم، فأمريكا بجلالة قدرها غزت العالم من خلال سينماها، ولكن انظروا ماذا نحن فاعلون، فمهرجان القاهرة واحد من أعرق المهرجانات الدولية على مستوى العالم، والوحيد الذى يحمل الصفة الدولية فى منطقتنا، وهناك من يتصارع لسحب الصفة الدولية من المهرجانات ومن أول الواقفين فى الطابور «مهرجان تل أبيب السينمائى» وإذا لم يعقد المهرجان هذا العام سيفقد صفته الدولية. فى العام الماضى قدرت جمعية المهرجانات العالمية ظروف مصر بعد ثورة يناير، ولكن هذا العام ليس لهم علاقة بنزاع قضائى، لا يفهم أحد منطقه من الأساس، وللقراء الأعزاء.. مهرجان القاهرة السينمائى ليس مجرد حفلى افتتاح وختام وصور لفنانين وفنانات، بل هو منتدى ثقافى فكرى تعرض فيه إنتاجات العالم من السينما ويتبادل فيه المبدعون الخبرات ويفتح الباب لمعرفة الآخر من خلال سينماه والتى تؤرخ لمجتمعات العالم، كما أن للمهرجان بعدا اقتصاديا، حيث ينعكس على السياحة والترويج لها وهو ما يعنى دخلا قوميا، وكل ما أرجوه أن يرفع الكارهون يدهم عن المهرجان فهو مهرجان مصر وليس زيد أو عبيد.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة