عودة مجلس الشعب كانت موضوع الصراع السياسى الأسبوع الماضى، وهو صراع زائف فى بعض جوانبه ومربك فى جوانب أخرى، حيث اختلط فيه كثير من الأفكار والمواقف. فالصراع يدور أساسا بين العسكر والإخوان، إلا أن كلا منهما تخفى وراء القانون والقضاء، واستُخدم فقهاء القانون فى إنتاج تفسيرات غريبة ومتناقضة، تخدم مصالح كل طرف، مما أضر بمكانة وسمعة القانون والقضاء.
صراع يثير إشكاليات الشرعية الثورية مقابل الشرعية القانونية، وحدود صلاحيات الرئيس، وتأثير الانقسام والاستقطاب بين القوى الإسلامية والقوى المدنية على المواقف السياسية، بل على تفسير مواد القانون وأحكام القضاء، وهل رفض فكر ومشروع الإخوان وعدم الثقة فيهم يقود إلى رفض كل مواقفهم حتى وإن جاءت للصالح العام؟
أسئلة كثيرة ومعقدة، وتحتاج للتفكير من أجل بلورة مواقف سياسية وحركية مركبة لا تكتفى بالوقوف مع أو ضد أحد الأطراف على طول الخط، فقد انتهى زمن التأييد المطلق والرفض الكامل، ودخلنا بعد تجارب مريرة إلى مرحلة ضبابية لا هى ثورية ولا هى مؤسسية، مرحلة انتقالية جديدة يقودها العسكر ورئيس من الإخوان يتنازعان السلطة، وليسمح لى القارئ أن أشاركه الملاحظات التالية لعلها تفيد فى توضيح فكرة المواقف المركبة التى لا تتخذ على أسس فكرية أو أيديولوجية جامدة، وإنما فى ضوء الاقتراب من تحقيق أهداف الثورة.
إن الرئيس مرسى وجماعة الإخوان لم يعلنا التمرد على الشرعية القانونية، فقرار مرسى بإعادة مجلس الشعب صدر فى صيغة تفسيرية لتنفيذ قرار المحكمة الدستورية بحل البرلمان، وقد أعاد الرئيس التأكيد على هذه المعانى بعد قرار الدستورية الأخير بتأكيد حل المجلس وضرورة احترام أحكامها. القصد أن الإخوان حريصون من ناحية الشكل على الشرعية القانونية، وغير قادرين على العودة إلى الشرعية الثورية لأن التكوين الفكرى والسياسى للجماعة، وللرئيس مرسى يميل إلى المحافظة، والمراوغة وعدم الصدام، إذن لابد للقوى الثورية من الضغط على الإخوان لتطوير موقفهم، وتجاوز شرعية قانون المحكمة الدستورية وأحكامها، والعودة إلى الشرعية الشعبية بدعوة الشعب للاستفتاء على قرار حل مجلس الشعب.
أعتقد أن الاستفتاء ليس تمردا على الشرعية القانونية أو استخداما للشرعية الثورية، وإنما هو إعادة الحق لصاحبه الأصلى، وهو الشعب، وهى آلية ديمقراطية حقيقية وحاسمة لأى خلاف قد ينشأ فى الحاضر والمستقبل حول أحكام المحكمة الدستورية، فلا يوجد مبرر ديمقراطى أو حقوقى يجعل أحكام تلك المحكمة -مهما كان تشكيلها أو أعضاؤها- غير قابلة للمراجعة أو النقض. لكن يبقى السؤال وهل يقدر الرئيس على الدعوة للاستفتاء؟ أتصور أن الرئيس سيراجع نفسه ألف مرة قبل إقدامه على هذا القرار، لأنه يخاف من عدم تعاون أجهزة الدولة معه وفى مقدمتها القضاء لتنظيم هذا الاستفتاء.
إذا كان الشعب سيتحمل تكلفة ومشقة إجراء استفتاء، فمن الضرورى أن يتضمن سؤالا ثانيا عن رفض أم قبول الإعلان الدستورى المكمل، وسؤالا ثالثا عن الموافقة على التشكيل الحالى للجنة كتابة الدستور، بحيث يحسم الشعب فى استفتاء واحد اللغط السياسى والصراع حول عودة مجلس الشعب وشرعية الإعلان المكمل، ولجنة كتابة الدستور، خاصة أن تشكيل اللجنة الأخيرة معرض لإلغاء والدخول فى متاهات جديدة، تعطل السعى الجاد لاستكمال أركان الشرعية الدستورية والقانونية وتأسيس دولة ثورة يناير، لذلك لابد من إجراء هذا الاستفتاء الثلاثى فى أقرب وقت ممكن، وأتصور أن الضغط الشعبى والتظاهرات المليونية من الممكن أن تدفع المجلس العسكرى ومؤسسات الدولة لتنفيذ الاستفتاء واحترام نتائجه، وتبقى مهمة القوى السياسية والمجتمع المدنى فى الرقابة على نزاهة الاستفتاء.
من الضرورى أن تتجاوز كل القوى الديمقراطية والثورية خلافاتها الفكرية والسياسية وتتوحد خلف مطلب إجراء الاستفتاء، واحترام نتائجه من دون خوف من نوايا الإخوان بالانفراد أو تغيير مواقفهم لصالح عقد صفقة أو تفاهم جديد مع المجلس العسكرى. والحقيقة أن أزمة الثقة فى الإخوان لها ما يبررها، فقد سبق لهم عقد صفقات عديدة مع العسكر آخرها كما يتردد التفاهم بشأن قبول الإعلان الدستورى مقابل الاعتراف بنتائج الانتخابات وإعلان فوز مرسى، وأنا شخصيا أتفهم الصفقة الأخيرة فقد جنبت البلد ويلات الصدام وحققت قدرا من الاستقرار القلق، كما أنها كفلت للإخوان الحصول على حق مرشحهم فى الفوز ، لكنى أدين صفقات الإخوان مع العسكر بعد رحيل مبارك لأنها أدت إلى إضعاف الثورة وتقسيم القوى الثورية إلى مدنية وإسلامية، إضافة إلى أخطاء المرحلة الانتقالية وتقديم الانتخابات على الدستور.
عدم الخوف من نوايا الإخوان أو تغير مواقفهم وسعيهم المرضى لعقد تفاهمات مع العسكر لسببين: الأول أن المواقف السياسية المركبة تنتصر للمبادئ قبل المصالح الخاصة، ومن حيث المبدأ هناك ضرورة لإشراك الشعب فى تقرير مصير مجلس الشعب والإعلان الدستورى المكمل، كما أن المواقف السياسية المركبة ليست أبدية بل متغيرة بحسب اقتراب القوى المتحالفة من تحقيق أهداف الثورة. أما السبب الثانى فيتعلق بسمعة ومكانة الإخوان ورصيدهم الشعبى، فقد خسروا كثيرا من هذا الرصيد نتيجة ارتكابهم أخطاء سياسية، وتراجعت الأصوات التى حصل عليها التيار الإسلامى من حوالى 17 مليونا فى انتخابات مجلس الشعب إلى 13 مليونا فى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، والتى صوت فيها كثير من المصريين لمرسى كراهية فى شفيق. وبالتالى أتصور أن الإخوان لن يغامروا بخسارة مزيد من رصيدهم الشعبى، خاصة أن هناك انتخابات برلمانية قادمة، وسيحرصون على تحقيق وعودهم والالتزام بمواقفهم المعلنة.
فى ضوء ما سبق أتصور أن الموقف السياسى المركب هو مطالبة الإخوان والرئيس مرسى بالدعوة والعمل الجاد لإجراء الاستفتاء الثلاثى، وأتصور أن هذا الاستفتاء يقدم حلا مقبولا لتعثر وارتباك المشهد السياسى والذى تسعى بعض القوى الداخلية والخارجية لاستمراره غامضا ومرتبكا وبلا أفق، على حساب استقرار الوطن ومصالح مواطنيه فى الحرية والعدالة الاجتماعية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة