عبرت الحدود الليبية المصرية للانضمام لثورة 17 فبراير الليبية من منفذ السلوم فى الساعة السادسة مساء يوم الاثنين الموافق 20 فبراير 2012 والتقطنى الثوار من فوق الطريق الخالى حيث بدأ الظلام يحط على الأرض وأوصلونى إلى فندق «الجمل» فى مدخل مدينة «مساعد» الحدودية وما زلت أحمل فى داخلى مودة عميقة للشباب الليبى الشهم الذى كان قد استولى على الحدود الليبية من كتائب القذافى ومنهم «فرج القطعانى» و«عز الدين الدلح» الذى أوصلنى يوم 22 فبراير إلى مدينة البيضاء حيث قابلت المستشار «مصطفى عبدالجليل» مع مجموعة سويسرية من حقوق الإنسان، وقابلت بعد ذلك اللواء «فرج البرعصى» مدير الأمن الذى كان من أوائل الضباط الذين انضموا للثورة، ودخلت بنغازى فى ليلة 23 فبراير حيث قادنى الدكتور «خالد اسبيتة» إلى مبنى المحكمة العليا على شاطئ بنغازى حيث كان «على بن سعود» والدكتور «محمد سالم المنفى» والدكتور «عاطف الحاسية» و«عبدالمنعم بريدان» و«على الكزة» و«محمد الحاسى» و«مرعى العبيدى» و«محمد فوزى» و«محمد سلامة» و«أحمد الفاخرى» ومجموعة من شباب الثورة فى تكوين مجموعة إعلامية عرفت منذ اليوم الأول باسم «المركز الإعلامى لثورة 17 فبراير» الذى أصبح هو النافذة الإعلامية للثورة التى يطل منها العالم على الثورة الليبية.
وغادرت ليبيا فى يوم الخميس الموافق 25 أغسطس 2011 وما بين يومى عبور الحدود المصرية داخلا إلى ليبيا وبين مغادرة ليبيا مضت على أكثر من ستة أشهر قضيتها وسط الثوار والأهالى فى مدينة بنغازى والبيضا ودرنة وأجدابيا ومصراتة وبعض المدن والقرى الأخرى، وكان لى الكثير والكثير من الصداقات مع كتاب وشعراء وصحفيين وشباب الثورة واستضافونى فى بيوتهم وأسبغوا على كرمهم وطيبتهم ومودتهم، لذلك كنت أتابع الانتخابات الليبية للمؤتمر الوطنى بشغف وترقب وخوف شديد، وكان مرجع الخوف إلى ما حدث فى تجربتنا فى الانتخابات المصرية بعد ثورة 25 يناير حيث استطاع الإخوان المسلمون وجماعات السلفية الاستحواذ على أغلبية البرلمان المصرى لعدم جاهزية بقية التيارات السياسية وأسباب أخرى من بينها سيطرة المجلس العسكرى على كل مفاصل الدولة وكل السلطات، وازداد خوفى على ثورة 17 فبراير الليبية علمى بكيفية وجود السلاح فى ليبيا والمنافسات القبلية التى قد تدفع إلى بعض التصرفات الانفصالية، وكذلك الوهم الذى سيطر على الجميع من قوة الإخوان المسلمين فى ليبيا والخوف الشديد الذى ملأ القلوب من استحواذهم على كل مقاعد المؤتمر الوطنى الليبى «البرلمان».
لكن بنظرة مختصرة على واقع الإخوان المسلمين فى ليبيا فقد كنت مطمئنا بأن الشعب الليبى الذى تأثر كثيرا فى ثورته بثورتى تونس ومصر لا بد له من أن يعى تجربة استحواذ الإخوان المسلمين فى تونس ومصر على برلمانيهما وبالتالى فإن الشعب الليبى لن يسمح للإخوان المسلمين فى ليبيا بذلك، فالشعب الليبى يعرف جيدا تاريخ الإخوان المسلمين فى ليبيا، وكما قال البعض بأن تجربة الجماعات الإسلامية فى ليبيا أثناء الثورة، وفى الفترة الانتقالية- الفاصلة بين الثورة والانتخابات، أكدت للمواطنين بأن الإخوان المسلمين ليسوا أهلا للقيادة، وأنهم لا يختلفون نهائيا عن نهج نظام القذافى «القتيل» فى الاستبداد بالحكم، وكذلك فقد ترسخ الوعى الوطنى والقومى فى ليبيا عبر تاريخه وعدم تقبل الليبيين الجمود فى العقائد الإسلامية وإن كان الليبيون متدينين فى مجملهم فلم يعرفوا «فتنة دينية» عبر تاريخهم الحديث بين المسلمين والمسيحيين وإن كانت الأقلية التى تتبع المذهب الكاثوليكى أكبر الأقليات الأجنبية المسيحية فى ليبيا إبان الاحتلال الإيطالى للبلاد، وانقرضت تلك الجالية تدريجيا مع طرد بقايا الاستعمار فى بداية السبعينيات.
أما حاليا فتعتبر الجالية الأرثوذكسية القبطية أكبر الجاليات المسيحية الديانة فى ليبيا وأغلبهم من العمالة المصرية وغيرها من العمالة الوافدة، ويقدر عددهم بحوالى 60.000 أما الجالية الكاثوليكية فتقدر بحوالى 40.000 معظمهم من العمال الأوروبيين فى الشركات والممرضات الأوروبيات فى المستشفيات الليبية، وكذلك يوجد عدد أقل من الأنجيليكان وأغلبهم من المهاجرين الأفارقة، وتعتبر العلاقات بين الغالبية الساحقة من المسلمين الليبيين والأقليات الأجنبية التى تدين بالمسيحية سلمية بشكل كبير، كما أنه يوجد عدد كبير من الكنائس القديمة فى المدن الليبية الإغريقية والرومانية والبيزنطية أصبحت اليوم آثارا، وتتواجد فى صبراتة ولبدة وطلميثة وتوكرة وشحات والبيضاء وسوسة وطبرق، وتوجد فى ليبيا كاتدرائيتان هما «كاتدرائية طرابلس» و«كاتدرائية بنغازى» والتى بنيت فى العام 1937، ويوجد أيضا عدد من الكنائس الصغيرة بالمستشفى العسكرى الإيطالى فى بنغازى والذى كان يعرف باسم مستشفى الجماهيرية، ولا أدرى هل تم تغيير الاسم الآن أم لا، كما أننى قضيت ليلة فى مبنى «بيت الثقافة» فى مدينة درنة الساحلية الجميلة المقام فى الطابق العلوى لكنيسة قديمة عندما اصطحبنى صديقى المصور الصحفى الليبى الكبير «أحمد العريبى» لزيارة صديقنا الشاعر الليبى الكبير «سالم العوكلى» حيث التقيت لأول مرة بالرسام التلقائى «فتحى الشويهدى»، وقد أظهرت النتائج الأولية عن اكتساح التحالف الوطنى بزعامة «محمود جبريل» المقاعد المخصصة للقوائم، والتى خصص لها 80 مقعدا من 200.
ومن السابق لأوانه اعتبار التحالف الوطنى بزعامة جبريل، يملك الأغلبية فى البرلمان الليبى، وإن دلت المؤشرات الأولية أنه المنتصر الأول فى الانتخابات لأن المستقلين لهم 120 مقعدا فى مختلف المحافظات، ولذلك فقد رفض «عبد الحكيم بلحاج»، زعيم حزب الوطن الإسلامى فى ليبيا، الرئيس السابق للمجلس العسكرى لطرابلس الاعتراف بالنتائج الأولية للانتخابات البرلمانية الليبية، وشاركه فى الرفض «محمد صوان» زعيم «حزب العدالة والبناء» الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين وهو أكبر حزب من التيار الإسلامى فى ليبيا والذى اتهم محمود جبريل بـ«خداع» الناخبين بالتزامات خادعة بالإسلام ولا ندرى من الذى يخدع المواطنين بالإسلام هل هو محمد صوان الإخوانى نفسه أم محمود جبريل الليبرالى؟ أما إذا جاءت النتائج النهائية بفوز «التيار الوطنى»، وهو ما سوف يحدث بالتأكيد بمشيئة الله، فإن ليبيا تكون قد حققت انتصارها الحاسم على كتائب القذافى «القتيل» وعلى خرافة الإخوان المسلمين.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة