فى أقل من أسبوع غيب الموت ثلاثة من رواد الصحافة والثقافة فى مصر هم الكاتب الصحفى الكبير سلامة أحمد سلامة، والكاتبة الصحفية حسن شاه والروائى المبدع محمد البساطى، ولا اعتراض لنا على الموت لأنه إرادة الله ومشيئته فى استرداد ودائعه ولا رد لقضائه، لكنه الفراق الصعب والغياب والانسحاب لرموز تنويرية فى توقيت صعب تحتاج فيه مصر إلى كل موقف شجاع وكلمة صادقة بناءة وأقلام نزيهة وشريفة تنير الطريق بالأمل وسط ركام اليأس والإحباط السياسى والاجتماعى والخوف من ظلام المستقبل.
برحيل الأستاذ سلامة أحمد سلامة تكون الصحافة المصرية والعربية فقدت كاتبا منتميا، له مذاق خاص فى أسلوب الكتابة من مدرسة العمالقة الذين أثروا فى الحياة الصحفية المصرية من أمثال الراحل أحمد بهاء الدين وأنيس منصور، رحل سلامة بعد مشوار طويل بين جنبات صاحبة الجلالة فى الأهرام ووجهات نظر وأخيرا الشروق، وكان عموده «من قريب» فى الأهرام قوتا يوميا ينتظره القراء للاستزادة من ثقافة وعلم ورؤية واستشراف راحلنا الكبير، الذى ظل محتفظا بهدوئه وشجاعته فى مواجهة فساد النظام السابق، وفى السنوات الأخيرة أعجزه المرض اللعين عن مواصلة الكتابة اليومية، رحل سلامة بعدما كتب عن رحيل العصفور الذى كان يصحوا مبكرا على تغريد صديقه فوق الشجرة العتيقة أمام نافذة منزله الذى أزالها المحافظ الذى يكره الحياة.
الكاتبة الصحفية المبدعة حسن شاه رحلت أيضا وآثرت الغياب فى هدوء ملائكى بعد رحلة صحفية استمرت أكثر من 50 عاما فى أخبار اليوم ودار الهلال، حيث تولت رئاسة تحرير مجلة الكواكب، كرست قلمها طوال الرحلة للدفاع عن قضايا المرأة، وما زلنا نذكر لها الفيلم الشهير الذى كتبته «أريد حلا» فى السبعينيات، والذى تسبب فى تغيير قانون الأحوال الشخصية عام 1978، ومن بعده فيلم «امرأة مطلقة».
كانت أول سيدة تحصل على منصب نائبة رئيس التحرير منذ عام 1963، واحتفظت بهذه المكانة طوال تنقلها فى المؤسسات المختلفة، رحلت حسن شاه فى وقت تتعرض فيه المرأة إلى ردة تاريخية وإلى فتاوى ظلامية تريد انتزاع بعض حقوقها وفى وقت كنا نحتاج فيه إلى قلمها الشجاع.
وكان الأديب والروائى محمد البساطى على موعده أيضاً مع الموت بعد رحلة معاناة طويلة مع المرض، انحاز فى أعماله التى تتجاوز 18 رواية إلى الفقراء والمهمشين فى قرى مصر، والذين سقطوا من حسابات سياسات الإفقار والاستبداد واحتكار الثروة والسلطة، ومع ذلك لم يعبأ أبطاله بالسلطة أو بتغيرات العالم من حولهم ونسجوا حياة خاصة بهم، رحم الله الثلاثة وعوضنا عنهم خيرا.