> كان بعضنا ينادى على بعض من الزنازين المغلقة فى السجون بالليل: هل قرأت مقال سلامة أحمد سلامة؟.. فيقول: نعم.. إنه رائع.. كانت هذه الجملة تتكرر كثيرا.. وكان هناك شبه إجماع أن مقالاته هى أهم مقال فى الأهرام.. وكنا نعجب كيف نحب قراءة مقالاته باستمرار ونعتبرها معبرة عما بداخلنا رغم اختلافنا الفكرى معه.. وكنت أفسر ذلك بأنه الصدق والوطنية التى إذا حلت فى قلب أخرج أفضل ما عنده ولاقى القبول من الجميع.. فالصدق والتجرد والوطنية الحقة هى العملات النادرة فى كل عصر.. فليس كل من كتب صدق.. وليس كل من كتب لاقى قبولا.
إن أزمة مصر الكبرى هى أن كثيرا ً من الكلمات تخرج من الحنجرة دون أن تمر على القلب فضلا عن أن تنبع منه.. وبعضها تحركها المصالح الذاتية ولا تعرف مصالح الإسلام والأوطان.. وقد لا تعرف للضمير الإنسانى أو الدينى سبيلا.. إنها أمانة الكلمة «مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ» رحم الله الأستاذ/ سلامة أحمد سلامة وأجزل له المثوبة والعطاء.
> الإسلام هو الدين الوحيد الذى استطاع أن يجمع بين المثالية والواقعية.. وبين الإيمان بالغيب والعلم الصحيح.. وبين النص والمصلحة.. وبين الشورى كمبدأ والديمقراطية كآلية من آلياته.. وبين النقل الصحيح والعقل السليم.. وبين عنصرى الثبات والمرونة لضمان خلود الشريعة.. وبين الصدع بالحق والرحمة بالخلق.. وبين سيف الجهاد لرد العدوان والرحمة بالخصوم فى حالة إشهار السيف لكل من يعتدى على بلادنا.. وهو الوحيد الذى جعل للسيف أخلاقا وفرض أخلاقه على كل من يحمل سيفه.. وتبرأ ممن يحمل سيف الإسلام ولا يحمل أخلاق ونبل المجاهدين.. وجعل الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فريضة لرد الظلم وأطر الظالم على الحق أطرا دون عدوان على حريات الآخرين ودون ترويع للآمنين ودون استعلاء على الخلائق ودون استلاب لصلاحيات الحكومة والشرطة.. فجعل النهى عن المنكر باليد للحاكم.. وباللسان للعلماء والدعاة والمفكرين وأرباب الفكر والقلم والرأى.. وجعل التغيير بالقلب لعوام المسلمين وهو يعنى المقاطعة.. بمعنى: «إن لم تستطع أن تزيل المنكر فزل عنه».
> ينبغى على السياسيين ألا يذهبوا بقضايا السياسة إلى القضاء ثم يشكون من القضاء وأحكام المحاكم.. فهناك حالة هرولة من السياسة والسياسيين إلى ساحات القضاء لكى تحل لهم مشاكلهم السياسية التى فشلوا فى حلها.
وعلى القاضى ألا يقحم نفسه فى قضايا السياسة وأن يقول كلمته عبر منصة القضاء.. فذلك هو الأليق به والأكرم له والأحفظ لمقامه.. وكلما دخل القضاة فى السياسة قل قدرهم وتناوشتهم السهام الطائشة من كل مكان.. وكلما تمسكوا بمنصتهم العالية ظلوا كبارا فى أعين الناس.
كل المصريين تحولوا بقدرة قادر فى الفترة الأخيرة إلى فقهاء دستوريين.. إننا بلد العجائب.
أزمات مصر الحالية تحتاج إلى إبداعات جديدة وحلول غير نمطية.. وأجيالنا نفد إبداعها وسيطرت عليها الحلول التقليدية والتفكير النمطى.. ولذلك نحن نحتاج إلى جيل وسط يجمع بين إبداع الشباب دون تهوره وشططه ونزقه مع حكمة الشيوخ دون نمطيتهم وركونهم للحلول التقليدية.
مصر بعد ثورة 25 يناير فى حالة تمزق واستقطاب لا نظير لها.. فهناك الآن عشرات الفصائل السياسية المتصارعة والمتنازعة ولو أنها نحت وتجنبت هذا الصراع واتجهت لخدمة المواطن المصرى البسيط فى الشارع لكان ذلك أفضل من كعكة الحكم المسممة والمنظورة من الجميع.. ويبدو أن مصر التى أبدعت أكثر من 400 ائتلاف للثورة المصرية.. بعضها لا يزيد عدد أفراده على أصابع اليد الواحدة عشقت الاستقطاب والتفرق والتناحر.. ولكن إلى متى؟.. الله أعلم.
كل السلطات المصرية الآن فى حالة صراع.. وهذا لا يحدث فى أى دولة فى العالم باستثناء لبنان والصومال مثلا.. فالبرلمان يتصارع مع القضاء.. وبينهما «ما صنع الحداد» على رأى المثل العامى.. حتى إن بعض النواب يمزح ويقول: «أتوقع أن يكون أول تشريع فى البرلمان القادم سيكون ضد الدستورية».
ومؤسسة الرئاسة تتصارع مع المجلس العسكرى على مساحة السلطات.. وربنا يستر على النتائج.
وطرفا العدالة المحامون والشرطة فى صراع مرير.. ولم يفلح وزير الداخلية ولا نقيب المحامين فى كبح جماح الفريقين.. وأرجو أن يكون شهر رمضان المعظم فرصة لنزع فتيل هذه الأزمات وأخذ هدنة من الصراع حتى نستطيع الصيام بهدوء بال.. وتنهض مصر مرة أخرى.
مناجاة الله واللجوء إليه تحتاج إلى قلب سليم وفن عظيم.. إنه فن التعامل مع ملك الملوك سبحانه وتعالى.. وأفضل لغة تتعامل بها مع ملك الملوك هى لغة الأطفال وهى لغة البكاء والتضرع.. فلا تطلب من الله شيئا إلا وأنت تبكى.. من عينيك ومن قلبك ومن كل مشاعرك.. ألم أقل لكم إن اللجوء إلى الله فن عظيم؟
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة