فى الأسبوع الماضى كنت فى زيارة ضمن وفد إعلامى مصرى إلى جنوب ألمانيا فى ولاية بادن للاحتفال بمرور 10 سنوات على إنشاء الجامعة الألمانية بالقاهرة التى يعتبرها الألمان أكبر إنجاز علمى وتعليمى لهم خارج الحدود، ولذلك جاء الاحتفال مهيباً فى جامعة شتوتجارت وجامعة أولم بحضور عدد كبير من الهيئات التعليمية والعلمية وأساتذة الجامعات.
ولاية بادن تعد من أغنى مناطق أوروبا، واقتصادها يعادل اقتصاد ثلاث دول أوروبية بسبب وجود أكبر شركات الصناعة العالمية فيها وتحديداً فى عاصمتها شتوتجارت مثل مرسيدس وكرايسلر وبورش وآى بى إم، وغيرها، ويوجد بها 9 جامعات رغم أن عدد سكان الولاية لا يتجاوز 2،5 مليون نسمة.
ورغم الجو الاحتفالى للمناسبة فإن الأحداث السياسية ومستقبل الأوضاع فى مصر كان محور أحاديث جانبية كثيرة لى مع عدد من أساتذة الجامعات الألمانية وخبراء البحث العلمى والتعليم وكيف ينظرون للأوضاع الآن ورؤيتهم للمستقبل.
المفارقة أن نبرة تفاؤل عالية بدت فى حديث الألمان بشأن المستقبل ويعتبرون ما يجرى الآن أمرا طبيعيا فى المرحلة الانتقالية الحالية بعد ثورة يناير مثل دول كثيرة أخرى، لكن التخوف الذى يبديه الألمان من صعود وسيطرة «الإسلاميين» على مقاليد الحكم ومفاصل الدولة فى مصر، الدكتور ديتر فريتش رئيس جامعة شتوتجارت السابق قال لى إن أمام مصر فرصة كبيرة للتقدم والتنمية بشرط الاهتمام بالتعليم والبحث العلمى الذى تقدمت به ألمانيا وأصبحت جامعاتها ونظامها التعليمى من أكثر النظم تقدما فى العالم، وأن بلاده لن تتخلى عن دعم التعليم والبحث العلمى فى مصر وتدعمه بشده، لكن لابد أن تحدد مصر هدفها واحتياجاتها من التعليم والصناعات التكنولوجية فى المرحلة المقبلة بالاهتمام بالتعليم المزدوج والمهنى لأن ما ينقص مصر هو التدريب العلمى فى مجال الحرف المهنية.
فألمانيا بدأت خطة موسعة لخفض نسبة التعليم الأكاديمى الجامعى إلى 40% مقابل زيادة التعليم المزدوج والمهنى إلى 60% وفقاً لاحتياجات الدولة واستراتيجيتها، والحكومة تدعم الجامعات إضافة إلى الدعم الهائل من القطاع الصناعى، فجامعة شتوتجارت على سبيل المثال يبلغ عدد طلابها 22 ألف طالب وميزانيتها السنوية 385 مليون يورو، أى ما يساوى 2.8 مليار جنيه والشركات الكبرى مثل مرسيدس وبورش وكرايسلر تدعم الجامعة سنويا بحوالى 25 مليون يورو لدعم البحث العلمى.
هذه تجربة دولة خرجت مدمرة من الحرب العالمية الثانية ثم أصبحت من أكبر الدول الصناعية فى العالم بسبب التعليم والبحث العلمى.