فى أثيوبيا قال الرئيس محمد مرسى كلاما كثيرا مبشرا عن عودة القاهرة إلى الحضن الأفريقى وعن الاستثمارات والتكاتف وإعادة تنمية القارة وأزمات المياه التى تؤكد على ضرورة بحث سبل التعاون بين دول حوض النيل.. وكل السابق كلام جميل لا يستطيع أحد «أن يقول حاجة عنه على رأى الست ليلى مراد».
ولكن ألا تشم فى هذه التصريحات رائحة تشابه مع تصريحات نظام مبارك الذى كان كلما حدثناه عن أزمة حوض النيل يعدنا بأن الأمور محلولة بالتاريخ والاستثمارات، دولة مبارك كانت تسوق على استحياء، كما يحدث فى كل مرة أن الأزمة محلولة، وأن سلاح التاريخ ومسألة الريادة المعروفة يمكن استدعاؤها للمساهمة فى حل المشكلة، أو أن ضخ المزيد من الاستثمارات فى إثيوبيا وكينيا وأوغندا قد يفلح فى تأجيل رغبات تلك الدول بتقليل حصة مصر من المياه، ولكن تبقى هذه الحلول مؤقتة!، ربما لأنها تشبه الرشوة المقنعة أو ربما، لأنها تأتى على خلفية من التعالى لم تعد مقبولة لدى دول تغيرت الأوضاع داخلها بفعل ما تضخه دول كبرى مثل إيران وإسرائيل والصين وتركيا من الأموال والاستثمارات فى بنيتها التحتية وحاضرها ومستقبلها المالى، بحثاً عن دور ريادى وتأثير إقليمى فى ظل انشغال دولة مبارك بأمور أخرى كان أغلبها يتعلق بكيفية ضمان بقاء النظام الحاكم.
والسؤال الذى لم يكن يسأله مبارك ويجب على الدكتور مرسى أن يسأله لنفسه ولمن حوله قبل أن يتحدث عن حل أزمات مصر مع أفريقيا بالاستثمارات والريادة والتاريخ العميق لمصر فى أفريقيا هو.. هل ستقبل دول حوض النيل منح مصر المالية المغلفة فى شكل استثمارات لن ترقى بالطبع لمستوى ما تضخه تلك الدول الأغنى فى المنطقة؟.. هذا أمر مشكوك فيه، وهل بقى من التاريخ شىء يمكن استدعاؤه للتأثير على إثيوبيا وكينيا؟.. أعتقد أن نظرة واحدة على ما تقوله صحف تلك الدول عن الأزمة كافية بأن تجعل إجابة هذا السؤال بـ«لا».
إذن لابد من أن يفكر الدكتور مرسى فى الطريق الدائرى، والطريق الدائرى هنا يعنى السرعة فى التأثير على تلك الدول التى تلعب فى منطقة حوض النيل، التأثير على إيران وإسرائيل والصين وأمريكا وتركيا.. المصلحة تقتضى أن نفعل ذلك بعد أن أصبح قرار دخول المنافسة مع هذه الدول فى حوض النيل غير فعال، لأنه جاء متأخرا جدا، ولأن هذه الدول سبقتنا بأميال.
يبقى السؤال الأهم.. كيف ستنجح القاهرة فى التأثير على تلك الدول لكى تستخدم نفوذها داخل منطقة حوض النيل فى حماية حصة مصر من المياه؟ أو بمعنى أكثر براجماتية ما الذى يمكن أن تقدمه مصر لتلك الدولة مقابل أن تحافظ على حصتها من مياه النيل؟
ولأن أزمة المياه ليست أمرا هينا، ولأن موقف دول حوض النيل تجاه تقليل حصة مصر يبدو فى هذه المرة أكثر جدية أعتقد أن مصر يجب أن تقدم الكثير، ولحسن الحظ أننا فى مصر نملك ما نستطيع مساومة هذه الدول عليه مع الوضع فى الاعتبار أن كل ذلك قد يحدث تغييرا غير متوقع فى الشكل السياسى والدبلوماسى للمنطقة ككل، لأن مصر وقتها قد تصبح مضطرة لأن تستعيد علاقتها مع إيران وتعقد معها صلحا يقضى على خلافات سنوات الفرقة فى محاولة لاستغلال النفوذ الإيرانى داخل حوض النيل، وبنفس المنطق قد نفتح أسواقنا بتسهيلات أكثر أمام الصين حتى تفتح لنا هى جراب نفوذها فى أوغندا وإثيوبيا، ونميل قليلا نحو تركيا ونكف عن التحذير من بحث تركيا عن دور إقليمى، ونساوم الولايات المتحدة على العلاقة مع تل أبيب.
أعلم أن فى الأمر رائحة صفقات قد يراها البعض مشبوهة، وقد يراها البعض غير مقبولة، ولكنها تبدو الوسيلة الأمثل من وجهة نظرى لحل أزمتنا مع دول حوض النيل فى ظل خسائرنا الفادحة داخل أفريقيا التى بدأنا ندركها الآن، ونحن نكتشف أن وجودنا فى تلك المنطقة الحيوية وتأثيرنا فيها يساوى.. زيرو!.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة