لم أنتخب مرسى ولو عادت بى الأيام ثانية لن أنتخبه، ولكن عهدا قد قطعته على نفسى أمام ملايين من الناس فى لقاء تليفزيونى، أنى لن أنتقده أو أتحدث عنه قبل مائة يوم من توليه السلطة لنرى وقتها، كأفراد وشعب، هل جد جديد على حياتنا المبعثرة، وهل ستبدو آنذاك فى الأفق ملامح كرامة أم لا، فلكل حادثة حديث، لذا فإن مقالى اليوم لا علاقة له من قريب أو بعيد برأى أو وجهة نظر، سلباً أو إيجاباً، بالظهور الأول أو الثانى أو الثالث للدكتور مرسى، فتصريح هنا أو خطاب هناك بالتأكيد ليس مدعاة لحالة الهوس التحليلى الذى أصاب وسائل الإعلام والنخبة التى رأت وكأن عليها واجب وطنى فى تحليل الرجل وتصديعنا بآرائهم عنه.
وسأذكر مجرد أمثلة لهوس التحليل الوهمى كأن يقول سعد الدين إبراهيم إن خطاب مرسى الأول يذكره بجمال عبد الناصر أو أن يلطم المثقفون والفنانون الخدود ويشقون الجيوب لأنه لم يذكرهم فى خطابه الأول حين كاد ينادى على كل مصرى بالاسم، وهذه مجرد عينة من عشرات، بل قل مئات من تحليلات ساذجة تتحدث عن الرجل سلباً أو إيجاباً لمجرد كلمات نطق بها، فنحن الذين رفعنا شعار، الراجل مش بس بكلمته الراجل برعايته لبيته وأسرته، وهذا هو ما لم يحدث بعد، ولذا فنحن لا نملك إلا الانتظار كما سبق وقلت على الأقل مائة يوم.
ولكن ما لا أستطيع أن أنتظر عليه مائة دقيقة أو ثانية هو هذا الموقف الذى رواه لى أحد أقاربى منذ سنوات وكان عضو مجلس شعب إبان تولى مبارك الرئاسة، وكان صديقا مقربا لشيخ الأزهر فى ذلك الوقت، حيث حكى لى أن فى بداية حكم مبارك ذهب شيخ الأزهر آنذاك لزيارة الرئيس وبالفعل التقاه، وكانت جلسة ودية ولاحظ الشيخ الجليل أن مبارك كلما همّ بأن يضع ساقاً على ساق وهو جالس أمام الشيخ كان يتراجع بسرعة، وكأنه يعيب على نفسه أن يجلس كذلك أمام الإمام الأكبر، ولما شعر الإمام بذلك عجل فى إنهاء الزيارة وحين هم بالانصراف انتفض مبارك مصراً على أن يرافقه حتى الباب الخارجى للقصر الجمهورى وحاول شيخ الأزهر أن يثنى مبارك عن ذلك فرد عليه «عيب يا مولانا أنا راجل أصلى فلاح والأصول نوصل الضيف لحد باب الدار».
ثم مر عام أو يزيد على هذا اللقاء بين الرئيس والإمام الأكبر وتطلبت الظروف إجراء لقاء خاص ثانية بين مبارك والشيخ الجليل ذاته وفى نفس المكان مع تغير الزمان، وفى هذا اللقاء جلس مبارك وهو يكاد يمد قدماه فى اتجاه وجه الشيخ على نقيض ما كان يفعل فى اللقاء الأول وحين هم الشيخ بالوقوف لانتهاء اللقاء مد مبارك يده وهو جالس لتحية الشيخ، وحتى لم يتكلف الوقوف أو حتى عناء مرافقته لباب المكتب.
مجرد موقف بسيط كان يردده الشيخ الجليل شيخ الأزهر آنذاك ليدلل به على صورة من صور تبدل الأفئدة والهوى.
ولذا فلهؤلاء المحللين ليل نهار ولهؤلاء الواصفين لشخصية وخصائص الدكتور مرسى اصمتوا دماغنا وجعنا، ودعونا نلتقى بعد عام أو يزيد، إن كان فى العمر بقية لأى منا.