منذ أكثر من عام انتشرت أغنية ترددها فرقة من فرق الغناء الحديث يطلق عليها كايروكى تقول كلماتها «مطلوب زعيم لشعب طول عمره عظيم، شعب كان فاعل زمان لكنه هان، حتى إنه ثار بإدين صغار وكبار، شرطه الوحيد يكون بشر، بالاختصار مطلوب دكر..»، وللحق منذ سمعت هذه الأغنية لم تعجبنى كلحن ولا كصوت بل إن كلماتها كانت تدعونى للسخرية منها ومن مغن يتسول لزعيم لبلد ويحدد أهم مواصفاته بأن يكون دكر يا نهار أسود ألهذه الدرجة كما كنت أتصور وأسخر أصبح أقصى طموح للمصريين أن يقودهم دكر.. هذا ما كنت أتصوره وأردده منذ عام ويزيد وأيضاً أسخر منه ولكن وللعجب على أن أعترف -والاعتراف بالخطأ فضيلة- أنى كنت مخطئة فيما انتقدته فى هذه الأغنية وسخرت منه، خاصة كلماتها.
فما بال هذا البلد يبدو وكأن لم يعد فيه مسؤول واحد دكر لوجه الله والوطن، لا أحد يقول لأحد كخ.. عيب.. هذا خطأ.. أو هذا ضد حتى قانون الغاب، أو أن هذه التصرفات ليست لها علاقة بعهد بائد أو ثورة عليه.
الحرائق تبدأ دائماً من مستصغر الشرر، وحرائق مصر حالياً لم تكن إلا شررا صغيرا لم يجد من يردعه تحت عنوان أن الشعب يريد ثم حدثت وتحدث الآن كل الجرائم تحت هذا العنوان دون رادع.
ودعونى أسرد بعضاً من أمثلة لتصرفات فئات كثيرة من المجتمع لم تجد لها رادعا، فراحت تتوغل حتى تكاد تسقط الدولة الحديثة بكل معانيها وأشكالها.. الباعة الجائلون الذين احتلوا فى البداية ميدان التحرير ثم انتشروا فى كل مكان حتى أغلقوا الشوارع والأرصفة ومداخل البيوت وضيقوا على الناس جميعا حياتهم وزادوا العاصمة عشوائية وقبحاً، فى البداية قالوا الشعب يريد ولم يجدوا من يقول لهم إنه حين تريد الشعوب عليها أن تريد ما هو فى إطار القانون ولكن لم نجد «دكر» ليقف فى وجه الخطأ صغيراً فصار الأمر كبيراً وصارت بلطجة وليست أكل عيش.
حين يعتصم عمال مصانع ويخربون فى مصانعهم باسم الحق حتى يضطر أصحاب المصانع إلى تصفية شركاتهم كما حدث مع «سيراميكا كليوباترا»، وغيرها ثم لا نجد أحدا يستطيع أن يرفد عاملا لأنه بالقانون خرب وأساء فيتجاوز غيره ويزيد، إذن هذه بلطجة تحتاج لدكر لوجه الله.
حين يحاصر بعض الموظفين أيا كانت مطالبهم مديرا أو وزيرا أو مسؤولا ويصل الأمر للتعدى عليه دون أن يتم عقابهم بالقانون فيصير هذا نهجاً كما حدث مؤخرا مع وزير التربية والتعليم، ويختلط الحق بالبلطجة يبقى الشعب يريد مسؤولا «دكر» لا يخاف على نفسه ويصدر أمراً برفد أو تحويل المتعدين للتحقيق لأن غير ذلك يعد مؤازرة للبلطجة.
حين يصل بنا الحد لأن يموت الناس تحت أنقاض العمارات المخالفة، وتختفى ملايين الأفدنة الزراعية تحت الأسمنت، ويختطف السياح ويتم وعد مختطفيهم بالإفراج عن ذويهم المحبوسين فى جرائم جنائية مقابل الإفراج عن السياح بدلاً من القبض عليهم وجعلهم عبرة لكل من تسول له نفسه فى ضرب أرزاق 6 ملايين مصرى يعملون فى هذه المهنة، وحين يصل الأمر بالبعض إلى أن يقرر فى جريمة جماعية قلب قطار بوضع حواجز على القضبان لأنه اضطر للانتظار ولا نجد أحدا تم القبض عليه وجعله عبرة لمن لا يعتبر.. حين يحدث كل هذا وأكثر وأكثر ولا نجد أحدا يقول كخ عيب ويضرب بيد من حديد على البلطجة تحت زعم أن الناس غلابة وتنفس عن غضب وقهر سنين وهى كلمة حق لا يراد بها إلا باطل..
حين يحدث هذا وأكثر لا يسعنى إلا أن أردد أغنية طالما سخرت منها وهى بالاختصار «مطلوب دكر» فى كل موقع حتى يستطيع أن يعيش الشعب فقط دون حتى أن يريد.