حالة من الضحك انتابتنى وأنا أقرأ الخبر الذى كذبت فيه السفارة الأمريكية نفى الإخوان واقعة زيارة وفد أمريكى لمقر مكتب الإرشاد بالمقطم، مؤكدة أن الزيارة صحيحة والواقعة حدثت بالفعل والوفد زار مكتب الإخوان لمناقشة بعض الجوانب الاقتصادية فى برنامج «مرسى»، وسبب ضحكى هو أن طرفى الخبر «الأمريكان والإخوان» اعتادا فى الفترة السابقة الهجوم على الإعلام المصرى مدعيين أن الإعلام يشوه صورتهما، وقد كان الهجوم على الإعلام واتهامه بالكذب حتى وقت قريب خصيصة يتفرد بها الإخوان دون غيرهم، يتحججون بها لدى الناس، مستعذبين دور المضطهد ومستجلبين العطف والأصوات والتأييد، لكن يبدو أن حالة التوافق الإخوانى الأمريكى قد ألقت بظلالها على واشنطن، فهاجمت هيلارى كلينتون الإعلام المصرى فى زيارتها الأخيرة لمصر، وقالت إن إعلامنا «يبتكر» فيما يتعلق بدولتها، وكلمة يبتكر هناك هى البديل الدبلوماسى لكلمة «يفبرك»، ولم يكن ينقص المشهد إلا أن تمشى هيلارى كلينتون هى الأخرى فى مسيرة هاتفة «شوهونا فى الإعلام لكن أحنا مكملين» مثلما كان يهتف الإخوان قبل انتخابات الرئاسة، لكن يشاء الله السميع العليم أن يفضح كل كاذب لئيم، وأن يقع الإخوان فى الأمريكان فيكذب بعضهما بعضا، ليتأكد الجميع أن الإعلام من أكاذيبهما برىء.
لا أدافع هنا عن الإعلام باعتبارى أحد المنتمين إليه أو المشتغلين به، وأعرف تماما أن بعض زملاء المهنة يرتكبون أخطاء تكاد تصل إلى حد الجرائم، وأؤكد أنه لن ينصلح حال المهنة إلا بتنقيتها وتطهيرها ممن يشوهونها، لكنى أفصل فصلا تاما بين خطأ زميل، واتهام الإعلام بأكمله بالكذب، وهو ما حاول «ويحاول» الإخوان تمريره إلى الناس لينعموا بالإفلات من مراقبة الإعلام عبر التشكيك فى مصداقيته من ناحية، واختراق بعض مؤسساته من ناحية أخرى، وإنه من العجيب أن يتهم الإخوان كل وسائل الإعلام العاملة منذ سنوات بالكذب والتضليل، وهى التى استضافتهم وعرضت آراءهم وصنعت رموزهم قبل الثورة، ومن العجيب أيضا أن يدعى الإخوان أن الإعلام يفترى عليهم، ومحطاتهم وجرائدهم عامرة بالأكاذيب والتلفيقات والتهويلات الأسطورية التى لا تخيل على الأطفال.
إن صدقت النية وصح العزم على تطهير الإعلام من «الفلول» فيجب علينا أيضا أن نطهره من «الذيول» الذين اصطنعتهم الجماعة، ذلك لأن هناك طائفة من البشر سأتحدث عنها بالتفصيل فى مقال منفرد مستقبلا، تأخذ على عاتقها شن الحرب على وسائل الإعلام والأحزاب والتيارات السياسية التى تختلف مع الإخوان، مرددة شائعات ومفبركة الأكاذيب عن العاملين بالعمل العام والمهتمين بالحراك السياسى داخل البلد، وإن كنا فعلا نريد أن نطهر الإعلام فيجب علينا أن نطهره من الكذابين الذين يدلون بتصريحات كاذبة ثم ينفونها، فما ذنب صحفى حصل على تصريح ونشره محتفظا بتسجيل صوتى يثبت نسبته إلى مصدره فى أن تلوث سمعته المهنية حينما يتهمه هذا المصدر بالكذب، وما ذنب جريدة نشرت تصريحا لواحد مثل الدكتور محمود حسين أمين عام جماعة الإخوان المسلمين ينفى زيارة الوفد الأمريكى الذى أشرت إليه فى بداية المقال فى أن يتهمها القارئ بالكذب فى حين أن مصدر الخبر هو الكاذب.
نعم نريد أن نطهر الإعلام من الإعلاميين الذين لا يراعون ضمائرهم، لكن قبل أن نطهر الإعلام علينا أن نطهر الوسط السياسى من السياسيين الكذابين الأفاكين الذين يستسهلون الكذب لينجيهم من فضائحهم الأخلاقية والسياسية، ولنبدأ مثلا بالدكتور محمود حسين الذى ثبت كذبه ببيان السفارة الأمريكية، أو فلنبدأ بالشيخ على ونيس الذى حكمت المحكمة بإدانته أمس، لأنه كان يكذب ويكذب الإعلاميين الذى هاجموه بعد فضيحته.