قال الدكتور قاسم عبده قاسم، رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة الزقازيق، إنه فى بداية ثورة يوليو 1952، كان الإخوان المسلمين فيها شركاء بشكلٍ أو بآخر، ثم حدث اختلاف على اقتسام السلطة وأدى إلى الصدام المحتوم فى مثل هذه الحالات، فتصاعد هذا الصادم حتى وقعت حادثة إطلاق النار على الرئيس جمال عبد الناصر، فى 26 أكتوبر 1954 أثناء إلقاء خطاب فى ميدان المنشية بالإسكندرية، وتلاها حالة من الاعتقالات طالت الإخوان المسلمين تنظيمًا وأفرداً وتمت محاكمة وإعدام عدد منهم.
وقال "قاسم" فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع": بالرغم من أننى أنتمنى إلى التيار الناصرى، إلا أن دورى كمؤرخ يحتم على أن أتحدث عن ثورة يوليو بكل حيادية وموضوعية من خلال قراءتنا للتاريخ، ولهذا فإن ثورة يوليو من أهم الأحداث التى مرت بها مصر والعالم كله فى منتصف القرن العشرين، لأنها لم تغير من تركيبة المجتمع المصرى فقط، بقدر ما غيرت العالم العربى، ثم امتدت إلى العالم كله، ففى الوقت الذى فشل فيه مصدق فى تأميم البترول الإيرانى قبل ثورة يوليو بأشهرٍ قليلة، صار نموذج تأميم قناة السويس نموذجا شرعيًا للتأميم فى جميع أنحاء العالم، وهو ما حرر البترول العربى وهذا مثال واحد على ما فعلته ثورة يوليو.
وأوضح "قاسم" أن "عبد الناصر" اتخذ سياسة مركزها مصر وإطارها القريب هو العالم العربى والأوسع هو العالم الإسلامى ثم العالم كله، فمثلاً قامت مصر بأعباء تعليم الشعوب كلها من خلال بعثات المدرسين على حساب الحكومة المصرية، ومن خلال منح دراسية للتعليم ثم ما قامت به من بناء مدينة للبعوث الإسلامية ومنح دراسية لأبناء الشعوب الإسلامية، وتطوير جامعة الأزهر لكى تجمع بين العلوم الدنيوية والعلم الدينية، وهو ما كانت تقوم بيه الأزهر والمدارس الكبرى فى جميع أنحاء العالم الإسلامى أيام السيادة الإسلامية.
وأشار "قاسم" إلى أن المبادئ الستة التى أعلنتها ثورة يوليو، مبادئ ثلاثة منها لهدم النظام القديم تمامًا، بما كان يحمله من ظلم وفقر وجهل، وبناء مجتمع قائم على القوى الاقتصادية والعسكرية والنظم السياسى العصرى، فى بداية الثورة كان الإخوان المسلمين فيها شركاء بشكل أو بآخر، ثم حدث اختلاف على اقتسام السلطة وأدى إلى الصدام المحتوم فى مثل هذه الحالات، فتصاعد هذا الصدام حتى حادثة المنشية، وتلاها حالة الاعتقالات التى طالت الإخوان المسلمين تنظيمًا وأفراداً، فما عرفته عن حادثة المنشية أن الإخوان لم ينكروا أن أحدًا من قيادتهم اتخذ قراراً باغتيال عبد الناصر بشكل فردى ولم يكن بشكل جماعى، وحتى لو صدقنا هذه الرواية ممن قام بها وقام بالتحريض عليها، فمن الطبيعى جدًا أن يكون الرد من الطرف الآخر عنيف جدًا، خاصة وأنه يملك السلطة والقوة، وهنا فنحن أمام نقطة مهمة فى الدراسة التاريخية، فهو لا يعرف الأحكام الأخلاقية أو القيمة، بمعنى أنه ليس من مهمة المؤرخ أن يحدد الأخلاق، فهذه مسائل لا تدخل فى حيز الدراسة التاريخية بقدر بمحاولة الفهم من خلال الربط بين الأسباب والنتائج، ومهمته ليس أن يحكى ماذا حدث بقدر ما يفهم الآخرين لماذا هذا قد حدث، ومن هنا حينما ينظر المؤرخون إلى هذه الحادثة وخاصة وثائقها مخفية وبعض الجماعات والأفراد التى مازالت موجودة على الساحة، يبقى المؤرخ فى حيرة من أمره، فيستوجب عليه أن يأخذ رواية الطرف المتهم، وهى التى لم ينكر فيها صلة الإخوان عن الحادث، بالإضافة أن صراع السلطة هو صراع بلا قلب وبلا رحمة وباستمرار على المهزوم فيه أن يدفع الثمن فى عدة أشكال من أهمها سمعته وقدرته على الدفاع عن نفسه، وأظن هذا هو حال الإخوان المسلمين.
وقال "قاسم" لا شك أن خصومة شديدة كانت قائمة بين ثورة يوليو فى ذلك الوقت وبين الإخوان المسلمين، وهذه مسألة مضى عليها أكثر من نصف قرن، ولا يجب أن تحكم العلاقات الحالية والمستقبلية بين الإخوان المسلمين والتيار الناصرى، لأنهما فى النهاية فصيلان ينتميان إلى التيار الوطنى المصرى العام، ونصيحتى للإخوان وللناصريين إذا جاز لى أن أنصح أحدًا ألا يلجأوا إلى القراءة الانتقامية للتاريخ، بمعنى ألا يحاول أحدًا أن ينتقم من التاريخ بتشويهه، أو بجره إلى جانبه انتقاما من الطرف الآخر، فهذه الوسائل من طبائع الحركات فى التاريخ، ولكن فى النهاية إذا ما وقفنا عند ما حدث فى الماضى فلن نتقدم إلى الأمام خطوة واحدة، فمن يزكون نار الانتقام من خلال التاريخ، هم أنفسهم من يدعون للتغاضى عما حدث من الأجانب فى مرحلة الاستعمار، وهو أمر عجيب أن تتغاضى عن أفعال المستعمر ولا تنسى أفعال أبناء الوطن الواحد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة