حتى فى السعودية قامت أم وابنتاها بالبصق على رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وحاولن ضربهم بالحذاء فى أسواق البيت القريبة من الكعبة الشريفة، وساد الهرج والمرج حتى حضرت الشرطة وتم إيداع الأسرة كلها السجن تمهيداً للمحاكمة، لأنهن دافعن عن حريتهن الشخصية ضد متطفلين غير أسوياء تصوروا أن ظهور خصلة من شعر المرأة جريمة تستحق العقاب من جلادى تلك الهيئة الرسمية، أما فى مصر فالأمر بالمعروف - حتى الآن - قطاع خاص.
نموذج جريمة السويس الذى راح ضحيته طالب الهندسة أحمد حسين، يكشف النقاب عن تلك الميليشيات المسلحة من العاطلين والبلطجية والخارجين على القانون، الذين يطلقون اللحى ويرتدون الجلاليب القصيرة ويحملون الأسلحة البيضاء، ويجوبون الشوارع ليلا ونهارا، لإقامة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وفى غيبة الأمن وإنتشار الفوضى وتدهور هيبة الدولة وسطوتها، ليس مستبعداً أن نصل إلى النموذج الأسوأ من السعودية. فالمجرمون الثلاثة قتلة طالب الهندسة أخذوا الدعوة «بالدراع» ولم يتعلموا الفقة وعلوم الدين فى الأزهر أو أى معهد دينى، ولكن التقطوا أفكاراً متخلفة فى زوايا عشوائية وعلى يد شيوخ عشوائيين، فأصبحت الدعوة إلى سبيل الله عندهم بالسكين والسيف وخنجر تقطيع الموز الذى قتلوا به «أحمد»، واختزلوا الإسلام فى تهديد الأبرياء وترويع الآمنين، حتى لو كان شابا يجلس مع خطيبته فى حديقة عامة.
الإسلام عندهم – كما جاء فى اعترافاتهم أمام النيابة - «إطلاق اللحية ومساواة الشارب وتقصير الثوب وعدم الاستماع إلى الموسيقى وعدم مشاهدة التليفزيون أو الذهاب للسينما، وعدم النظر للنساء أومصافحتهن، وعدم التعامل مع البنوك»، أحد المتهمين موقوف عن العمل بهيئة النظافة بالسويس بسبب تشغيله العمال لحسابه الخاص يعنى فتوة وآكل عرق الغلابة، والآخر سبق اتهامه بسرقة ملابس الأيتام من مسجد النبى موسى بالسويس يعنى سوابق، ومع ذلك نصبوا أنفسهم دعاة وقضاة، ليسوا متشددين ولكن إرهابيين وقتلة وأندال وجبناء، وعندما قطعوا شريان الضحية تركوه ينزف رغم صراخه، وفروا إلى إحدى الزوايا للحاق صلاة المغرب، وكأن شيئاً لم يكن وكان وسعهم إنقاذ حياته.
سيقف القتلة خلال أيام قليلة أمام المحكمة، والقاعدة الشرعية تقول: «العين بالعين والسن بالسن والنفس بالنفس والدم بالدم والبادى أظلم»، وأقول للذين يدافعون عنهم بالباطل من أمثالهم ذوى اللحى الطويلة والقلوب الغليظة والعقول المتحجرة: هل كنتم تقفون معهم فى نفس الخندق إذا كان «أحمد» ابنكم أو شقيقكم أو قريبكم، وهل البلد ناقصة فى هذه الأيام دوريات الضرب والتأديب والقتل، من أشقياء يتمسحون بالإسلام، والإسلام منهم ومن أمثالهم برىء؟
يا علماء مصر وعقلاءها وأئمتها وشيوخها المستنيرين، لاتصمتوا ولا تمالئوا ولا تكتموا شهادة حق، فهذا الوطن يجلس فوق برميل بارود من الأفكار الرجعية والفتاوى الجاهلة، وأصبحت الدعوة مهنة من لا مهنة له من الأميين والعاطلين والبلطجية والفتوات والشبيحة، يفرضون سطوتهم ونفوذهم وسلطانهم وهيمنتهم على عباد الله بحجة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.. استردوا الإسلام الصحيح قبل أن تتحول مصر إلى طالبان أخرى.