تحفظ لنا كتب التراث الكلاسيكية دائما هذه الصيغة المتكررة، حينما تعرض لشجار ما أو لموقعة كلامية بين فريقين أو خصمين، فتذكر مثلا أن زيدا هاجم عبيدا هجوما شديدا، ولما اشتد الهجوم على عبيد، ولم يستطع أن يذود عن نفسه أمام الهجوم الكاسح «فانبرى» فلان ليحميه ويرد عنه سهام المهاجمين، ولا تغيب هذه الجملة أبدا عن المعارك، خاصة الكلامية، ولابد أن يأتى فيها الفعل «فانبرى» بهذا الشكل، مسبوقا بحرف الفاء الذى يدل على سرعة «الانبراء» التى تنطق تخفيفا بحذف الهمزة «انبرى».
وهكذا فإن كل عصبة لها زعيم، وكل زعيم له خصوم، ولا تعدم العصبة من واحد ينبرى دائما للدفاع عن الزعيم، ليجىء وصف الفعل الشهير «فانبرى» دليلا على اقتراب نهاية المعركة، والنتيجة هى إما هزيمة الزعيم ومعه حزب الـ«فانبرى»، أو انتصار الزعيم، ومعه أيضا حزب الـ«فانبرى». وقد حفظ التاريخ أيضا روايات كثيرة عن هذا الحزب وأنصاره ومصائره، ولا تختلف الحال عن أحد المصائر الثلاثة، العيش تحت الـ«فانبرى» وفى نعمائها إن فاز الزعيم، أو الموت دون الـ«فانبرى» إن هزم الزعيم، أو قلب الميزان وتحويل بوصلة الـ«انبرى» ناحية الفائز الجديد.
المؤرخون يؤكدون بما لا يترك للشك ثغرة أن حزب الــ«فانبرى» من أهم الدعائم الأساسية لاستمرار أى حاكم، فهم الذين يجمّلون وجهه، ويدافعون عنه، ويكذبون بالنيابة عنه، ويرددون كلماته كقرآن منزل، ويمهدون له، ويبشرون بإنجازاته، منهم المطبلاتية، ومنهم المأجورون، ومنهم المهللون، ومنهم المسبحون، ومنهم الراقصون، ومنهم المنافقون، ومنهم المدلسون، ومنهم المخلصون أيضا الذين يعانون من مراهقة فكرية تصور لهم أن زعيمهم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولذلك لا يتورعون عن الدفاع عنه حتى لو كلفهم ذلك حياتهم.
لا تكن سوداويا لتتخيل أن حزب الـ«فانبرى» شر محض، ولا تكن ساذجا لتتخيل أن حزب الـ«فانبرى» خير محض، بعضهم ينتمى للفريق الأول، وبعضهم ينتمى للفريق الثانى، وأغلبيتهم الغالبة تنتمى لفريق بين الفريقين، يقصد الخير ولا يتورع عن سلوك طريق الشر، لتحقيق ما يريد، يكذب أو ينافق أو يسرق أو ينصب، ولأننا بشر، ولأن لنا أطماعا وأغراضا وأهدافا، فمن السهل جدا أن يتحول أحد جنود الـ«فانبرى» من خير محض إلى شر محض، ذلك لأنه فى الغالب لا يعمل عقله السليم وفطرته الربانية فيما يقرر اتباعه، فأغلب أعضاء هذا الحزب منساقون، تسوقهم أغراضهم أو أطماعهم أو أحلامهم، ولأنهم يتنازلون بمحض إرادتهم عن عقلهم السوىّ، لا ينفع معهم فى الغالب إلا الصدمات، فلا مجال لنصحهم أو إرشادهم إلا من رحم ربى.
انظر لهم تجدهم يتكلمون كلاما واحدا، ويلبسون زيا واحدا، ويحافظون على سمت واحد، كأنهم تروس فى آلة، أو درجات حجرية فى سلم، هؤلاء هم الذخيرة الأساسية فى حزب الـ «فانبرى»، لكنهم لا يمانعون إطلاقا من أن ينضم إليهم آخرون لكسر الرتابة والملل، حتى إذا ما أدى هذا الغريب دوره، وانتهى رصيده، وبدأ فى الانقلاب عليهم بحكم تكوينه المغاير، لفظوه وشوّهوه وحاربوه، فهم دائما جوعى للاتباع، زعيمهم يجوعهم دائما إلى المناصب والعطايا والمنح، مغلفا إياها لهم بالمبادئ والقيم، متبعا حكمة الطغاة القديمة «جوع كلبك يتبعك»، ولا سبيل من التخلص من هذا الحزب بأطرافه الغافلة ورأسه المستغفل، إلا باتباع حكمة المستنيرين المخلصين «اتبع عقلك ينفعك».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة