يبدو أن العصر تغير فعلا، فلم تعد البطولة فى أن تسدى للحاكم نصيحة صادقة ولا أن تبرز للناس الحقائق الواضحة بين السطور وفوقها وتحتها، وأصبح نفاق الحاكم والتزلف إليه هو البطولة الكاملة، فقد فهمت بعض الكائنات التليفزيونية التى تنمو وتترعرع أمام الكاميرات أن البطولة الحقيقية هى أن تتبارى فى عرض محاسن ومآثر السيد الرئيس الجديد محمد مرسى، وأصبح كبار المنظرين والكتاب والمفكرين التليفزيونيين الذين لم نر لهم كتابا واحدا فى علم الاجتماع السياسى ولا أصول النظريات التى يتحدثون عنها ليل نهار، أصبحوا بقدرة قادر فلاسفة للمرحلة الجديدة، لم يحلل أحد منهم ما ورد بخطابات السيد مرسى المتعددة، ولم يلتفت أحد إلى ذكر التناقض الواضح بين تصريحاته ومقولاته مع بعضها البعض أو التناقض ما بين القول والفعل، ولعله من بالغ «الوكسة» أن يتحلى من كنا نحسبهم مفكرين وباحثين بروح الشعبوى المهلل لأى حركة مسرحية أو أى وعد زائف.
غاص المحللون فى وصف خطابات مرسى وتحليلها ورصدها مستعيرين روح «إسماعيل ياسين» فى فيلم اسماعيل ياسين فى الأسطول، حينما كان يقف أمام طاولات السمك ليصنف أنواعه، قائلا: هذا بورى وهذا قشر بياض وهذا مكرونة وهذا «سمك»!. تاركين بذلك روحهم العلمية «المفترضة» ومتمتعين بحس مشجعى الكرة العشوائيين، فلم يحلل لنا أحد الذين يصفون أنفسهم بأنهم «علماء سياسة» خطابات مرسى وشخصيته السياسية، كما طرحها فى غزواته الميكروفونية المتتالية، والحقيقة أننى بعد مراجعة هذه الخطابات احترت فى وصف خطابات مرسى وتصنيفه، فهو العسكرى الذى يريد تكريم المجلس العسكرى واصفا إياه «بالقادة العظام» برغم ما ارتكب من جرائم، وهو الثورى الذى يهتف أمامه مئات الآلاف «يسقط يسقط حكم العسكر».
هو أيضا البين بين الذى لا يريد الاصطدام مع المجلس العسكرى ويقسم مرغما أمام المحكمة الدستورية العليا متواطئا على مطالب الاعتصام الذى حشد له والذى يطالب بإسقاط الإعلان الدستورى المكمل، وهو الإسلامى الذى يقبل الشيوخ يده ويعتبره الإسلاميون إمامهم وشيخهم ومقيم شريعتهم ومحرر أسيرهم «عمر عبدالرحمن» الذى أفتى بقتل فرج فودة من السجون الأمريكية، وهو الليبرالى الذى يحافظ على حرية الرأى والتعبير متعهدا بعدم مساسها، وهو الذى يقسم على احترام القانون والدستور ويبجل القضاء وأحكامه وفى ذات الوقت يرغب فى استعادة مجلس الشعب الذى تم حله بحكم محكمة!.
هو أيضا أحمد شفيق الملقب بـ«فل الفلول» الذى يقدس الجيش ويغازل الشرطة ويكره الاعتصامات والمظاهرات، وهو حمدين صباحى القائد الجماهيرى الناصرى العروبى القومى، وهو عبدالمنعم أبوالفتوح الإسلامى الإصلاحى المستنير، وهو حازم صلاح أبوإسماعيل الذى يدافع عن أصحاب فتاوى قتل المدنيين، وهو المعادى لأمريكا باعتبارها الداعم الأول لإسرائيل وهو الذى يضع فى أولوياته بناء تحالف استراتيجى مع واشنطن!
هو باختصار «كوكتيل» من المرشحين والأشخاص والأفكار المتناقضة والمتعارضة، وهو الشىء وعكسه بل ونقيضه، ولا يتخيل أحد أن فكرة «الرئيس الكوكتيل» هذه هى البديل الطبيعى لفكرة المرشح التوافقى أو يعدها مزية فى الرجل أو فضيلة، لأن التجارب علمتنا أن «الكذب مالوش رجلين» وفى اعتقادى الشخصى أن مرسى غير كل ما حرص أن يبدو عليه، وعما قريب مع اتخاذ القرارات الأولى ستتضح لنا شخصية مرسى الحقيقية بعد أن يخلع عنه كل هذه الأقنعة، ووقتها سيعرف من شرب هذا الكوكتيل الحقيقة كاملة مع أول تقلص معوى حاد.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة