المشوار طويل، ذلك أمر لا بد أن يسعى الرئيس الجديد لوضعه مثل الحلقة فى آذان المصريين الذين أقنعهم ملعون ما، أو دفعتهم ظروف الأعوام الماضية للاعتقاد فى أن الجنة ستظهر على أرض مصر بعد الثورة مباشرة.
الرئيس الجديد مطالب بأن يضع حقيقة طول المشوار وصعوبته أمام المصريين أجميعن، ولا يغازلهم بعلاوة هنا، أو تصريح هناك، لأن معايير الصبر تغيرت ولم يعد مثلما كان مفتاح الفرج. المصريون الآن يبحثون عن النتائج السريعة مثل الأحداث السريعة التى عاشوها، والجيل الذى أشعل تلك الثورة كما قال المطرب الجميل حمزة نمرة مطالبا الرئيس بالإسراع فى خطواته «إحنا جيل لما النت بيهنج بيدشدش المودم على الكمبيوتر». والمعنى واضح ويستدعى من الرئيس حركة أسرع، وصراحة أكبر، ووضوحا أسطع فيما يخص وضع البلد، وطبيعة خطواته نحو النهضة والتنمية.
وبمناسبة المشوار الطويل.. هل تذكرون فاطمة التى كانت كلما سألها أحدهم رايحة فين يافاطمة؟.. تقول ببساطة بأنها «رايحة تجيب أومو!»، أعرف أن ذاكرة المصريين ضعيفة، ولكن حينما يتعلق الأمر بمشوار الأخت فاطمة اللى كانت رايحة تجيب الأومو، فلن ينسى المصريون فاطمة، ولا أمها، ولا حتى السيد «أومو» شخصيا، حتى لو ظهر على الساحة 100 إعلان مسحوق مزيل للبقع غيره، لأن مصر كلها وبدون أن تدرى، وفى نفس الوقت الزمنى الذى بدأت فيه فاطمة رحلتها لشراء «الأومو» فى منتصف التسعينيات، كانت تستيقظ من نوم طويل، ويعلن مواطنوها عن رحلة مشابهة لرحلة فاطمة من أجل شراء «أومو» قادر على إزالة البقع السياسية السوداء التى علقت فى ثوب الحياة المصرية منذ قرر النظام الحاكم الحالى أن يعتنى بنظافته.
فى تلك الفترة، ومع انطلاق الحملة الإعلانية للسيدة فاطمة التى كانت رايحة تشترى «أومو» بدأ الشعب المصرى حملة غير متوقعة، وبداية صحوة تسير ببطء من أجل إصلاح ما يمكن إصلاحه فى الحياة السياسية المصرية. السنوات كانت تمر ببطء، والشعب المصرى كان يواصل رحلته من أجل الحصول على أى مسحوق سياسى يساعده على تنظيف ثوب مصر الذى تملؤه بقع القهر والتعذيب والطوارئ والتزوير، صحيح لم يصل مواطن واحد للدكان الذى يبيع المسحوق ولكن الرحلة ظلت مستمرة. الأيام مرت، والكثير من الناس بدأ يدرك أن المساحيق العادية من مظاهرات ومطالب ووثائق إصلاح لم تفلح فى تنظيف أيدى رجال مبارك من ملوثات التعذيب والقهر وكتم الحريات، ربما لأنها ليست فى براعة وقدرة «الأومو» التى ذهبت فاطمة لشرائه منذ منتصف التسعينيات، ولم يخبرنا إعلان تليفزيونى أنها قد وجدته حتى الآن، أو لأن المصريين لم يأخذوا فُم الغسيل بضمير، وأخذوها على عجل وبدون تخطيط.
بعد محاولات 2005 والأيام التالية لها كان الاعتقاد السائد هو أن فاطمة تاهت، حصلت على الأومو خاصتها، ولكنها ضلت الطريق أو تخطط لعودتها بشكل سليم مثلها مثلنا بالضبط، ومرت سنوات كنا ننادى فيها عبر ميكروفونات المساجد والفضائيات على فاطمة حتى جاء عام 2011، وظهرت فاطمة فجأة فى ميدان التحرير، وفى يدها مسحوق أحدث ثورة فى عالم النظافة، ثورة أزالت البقع من جذورها، ونجحت بكراتها الشبابية فى تفتيت صلابة بقعة الفساد، وإزالة سواد مبارك عن ثوب مصر الناصع، بعد أول لفة من لفات الغسالة.
ولكن هل تدرك فاطمة، وهل يدرك الرئيس، ونحن معهما، أن عملية الغسيل تتم حتى الآن فى غسالة عادية، والأوساخ التى عششت فى ثوب مصر طوال السنوات الطويلة الماضية تحتاج إلى ما هو أكثر من غسالة فول أوتوماتيك.. تحتاج إلى استمرار وإصرار وإخلاص؟!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة