الحمد لله الذى لم يجعلنى من صحفيى الصحف القومية، والحمد لله الذى جعلنى من هؤلاء الذين يتمتعون بالاستقلالية ولست من هؤلاء الذين يملكهم مجلس الشورى، سواء قبل الثورة أو بعدها، والحمد لله من قبل ومن بعد، وها أنا قد قدمت الحمد على الاعتراض، ذلك أنى وإن لم أكن من أهل الصحافة القومية، إلا أنى من أصحابها باعتبارى أولاً من قرائها وثانية لأنى واحدة من الشعب الذى من المفترض أن ملكية هذه الصحف تتبع له، وأخيراً وليس آخراً أننى تعلمت وخطوت أولى خطواتى على بلاط صاحبة الجلالة فى بعض من هذه المؤسسات وهى روز اليوسف والأهرام والأخبار، لذا فأنا أدين لها وللشعب الذى يملكها ولأساتذة تعلموا فيها وعلمونى مهنة الكلمة، وخلاصة الأمر أنى أطالب ما يطلقون عليه مجلس الشورى أن يرفع يده عن هذه الصحف.
لا تتوقف عن القراءة ظنا منك أننى سأتحدث فى موضوع لا يخص إلا أهل المهنة، لأن الأمر ليس كذلك، فما يحدث الآن على الساحة الصحفية يخصك أنت- سيدى القارىء- بالدرجة الأولى، وينعكس عليك كمواطن.. فالكلمة نور أو نار، نور لو كانت كلمة حق منزهة تضىء طريقا ووطنا، ونارا لو كانت كلمة باطل قادرة أن تحرق وطنا، إذاً فالشأن الصحفى المعنى فى المقام الأول بالقارئ فى خطر محدق.
مجلس الشورى يقرر أن يغير رؤساء تحرير الصحف القومية، ويطالب جموع صحفييها بتقديم أنفسهم للحاكم الجديد، لحزب الحرية والعدالة، الذى يتصدر مقاعد المجلس، وهو تصرف جد مريب وفى توقيت يستدعى الريبة الكبرى، فإن كان القانون يمنح للمجلس حق تعيين رؤساء التحرير، ولكن ما الذى دفع هذا المجلس فى هذا التوقيت لطلب التغيير وهو موجود فى الحياة منذ شهور، والجميع يعرف أنه مجلس مكتوب عليه الحل وقراراته مطعون عليها، أولا لأنه غير مكتمل، فثلث المجلس- كما ينص قانونه- يجب تعيينه من قبل رئيس الجمهورية، وهو ما لم يحدث وأظنه لن يحدث، هذا أولاً.
وثانياً: فإن كان القاصى والدانى يعرف جيداً أن تلك المؤسسات العامة كانت ترتع فى الفساد، وهو أمر لم يكن خفياً ولا مسكوتا عليه حتى قبل الثورة، فلماذا صمت السادة الموقرون أعضاء مجلس الشورى طوال هذه الشهور عما يقولونه الآن فى وسائل الإعلام كوسيلة دفاع عن قرارهم، والأهم أن تغيير رؤساء تحرير تلك المؤسسات ليس هو الحل السحرى للفساد، فحتى العامة يعرفون أن رؤساء التحرير مسؤولياتهم تنحصر فى السياسة التحريرية، ولا علاقة لهم بالماليات ولا الإدارة فهى مسؤولية رئيس مجلس الإدارة، إذاً فإن تغيير رؤساء التحرير لن يعدل المايلة، ولن يزيح فساد عقود من الزمان، وهنا يطرح السؤال نفسه إذاً لماذا هذا التغيير وفى ذلك التوقيت؟ وللحق لم يترك لنا السادة أعضاء المجلس الموقر المنقوص أى فرصة لحسن الظن بهم وبقرارهم، سوى أنهم يريدون أن يساعدوا فى ترتيب البيت الذى ورثوه من الحزب الوطنى على مقاسهم وليس على مقياس الحق والإصلاح، وبنفس المعايير السابقة لهم، فالمهم بالنسبة لـ«الحرية والعدالة» رئيس التحرير أو عقل الكلمات والصور التى تظهر للقارئ وليس الفساد أو تصحيح أوضاع الإعلام القومى.
إن تصحيح وضع الصحافة القومية لا يمكن أن يأتى بمعيار «شالوا ألدو وحطوا شاهين» ولكنه بحاجة لمنظومة مختلفة فى القوانين والعلاقات بين تلك المؤسسات وبين الحكومة والحكام، تلك مؤسسات ملكية عامة فكرية تحق لكل أبناء مصر ولا يجب أن تقتصر على خدمة حزب حاكم أو طبقة بعينها، وأزمتها ليست بالتأكيد فى اسم رئيس تحرير دون الآخر، ولكنها مؤسسات مترهلة بحاجة لقرارات وقوانين حالمة، وبعضها قد يكون قاسياً على آلاف يكونون جسدها المترهل، مجلس الشورى الناقص يحاول أن يجمل وجه الصحافة القومية بعملية تجميل خاطئة تصب فى صالح حزب الأغلبية ويسيرون على نهج الحزب الوطنى الذى جعل حكمة الشعب والصحفيين منهم «أبجنى تجدنى» وهم الآن يبحثون عمن «يؤبجونهم» ليصيروا لسان حالهم.
أما السادة الصحفيون الذين ترددت أنباء بأنهم حوالى عشرين تقدموا لشغل وظائف رؤساء التحرير، فأرجوهم، بل أتمنى، أن يحترموا مهنتهم ويكفوها امتهاناً، ويسحبوا طلباتهم، فحتى لو كنتم تستحقون المنصب وظُلمتم فيما مضى، وفاتكم الميرى فلا تأتوا على الجثة الباقية لمؤسساتكم، وكونوا كراماً فى طلب حقكم، ولا تمنحوا حاكماً رقابكم كما فعل السابقون، وإن غداً لناظره قريب.