فى 2009 أصدر حاتم الجبلى رجل الأعمال المقرب من مبارك الابن قرارا باعتباره وزيرا للصحة، بتغيير أسس تسعير الأدوية، لتتماشى مع السعر العالمى، وربما بضغوط من الوريث والمنظمات العالمية التى راهنت على أموال المرضى المصريين، وأيضا من شركات الأدوية الكبرى، يومها طعنت نقابة الصيادلة على القرار مع عدد من المنظمات الحقوقية، وحكمت محكمة القضاء الإدارى بوقفه، كان معروفا أن نخبة مبارك الاقتصادية التى «تلعب» فى الدواء من خلال 86 شركة كبرى تسعى إلى تحقيق مكاسب فلكية من القرار، كما فعل أقرانهم فى الحديد والسيراميك والاتصالات والأسمنت والأسمدة والسيارات والأراضى، وقتها أعدت النقابة الفرعية للصيادلة فى الغربية دراسة جاء فيها أن بعض الأصناف سيرتفع سعرها بنسبة %595، والبعض الآخر بنسبة %150، كان هذا قبل الثورة، وقبل أيام أصدر وزير الصحة فؤاد النواوى القرار 499 لسنة 2012 بإعادة مشروع الجبلى بصياغة جديدة، ومن أجل تحييد الصيادلة لتمرير الصفقة المشبوهة، تم رفع هامش ربحهم %5، وتم الاتفاق على تسوية مشكلة العهدة، ووافقت النقابة على القرار الذى سبق أن طعنت عليه وتصدت له أيام الديكتاتورية، ومتى؟! بعد أن نجح الرئيس مرسى، وأصبح واضحا أن النقابة التى يسيطر عليها الإخوان تقف مع الرأسمالية الشرسة ضد المرضى الفقراء الذين عددهم فى الليمون، وفى غياب برلمان منتخب، هو الوحيد الذى يحق له اقتراح إصدار هذا القرار، وأعتقد أن أى برلمان مهما كان توجهه لن يوافق على تحرير سعر الدواء لإرضاء البنك الدولى والجهات المانحة على حساب مرضى الكبد والكلى والسكر والضغط والروماتيزم والربو، وما إلى ذلك من الأمراض التى تتباهى بها مصر بين الأمم، لم يقف ضد القرار الأخير سوى الأحزاب اليسارية محدودة التأثير وبعض المنظمات النبيلة المحاصرة، ولم نسمع رأيا من جهابذة الحرية والعدالة الذين استثمروا الشريحة المتضررة خير استثمار، ولم نسمع رأيا من «وفد» الفياجرا والترامادول، بينما يجلس محللو التحول الثوريون فى فضائيات الفلول لتشخيص الحالة السياسية من أجل القضاء على الأمل: أمل تحقيق أهداف الثورة، لم يتطرق خطباء المساجد «المتصيتين» للقرار الكارثة، وتفرغوا لمهاجمة الإعلام والصحفيين بالتناغم مع نقيب الصحفيين الذى لا علاقة له بالصيدلة، كلهم يتحدثون نيابة عن الشعب والشرعية البلتاجية وعن الثورة، ولكنهم هذه المرة قرروا التضحية بالمرضى الفقراء وبالصناعة الوطنية، لكى يتجه الجميع إلى الاستيراد ليظهر فى الصورة مع الشاطر ومالك، وبدلا من تطوير هذه الصناعة العريقة التى تستورد %85 من محتويات الدواء أو رفع مستوى المعيشة لكى نستسيغ فكرة التحرير، أو تطوير التأمين الصحى، صمتت القوى المعادية للثورة، بالطبع رفضت بعض الشركات القرار، وخصوصا الشركات التى تنتج الأدوية الرخيصة، ولكن الوزارة النواوية قالت إنها قد تلجأ إلى إنتاج تلك الأدوية بنفسها حال تمسكت الشركات الرافضة بموقفها، والاستعانة بالشركات الموافقة على القرار لسد العجز، القرار يذكرنا بقرار تحرير سعر القطن الذى دمر صناعة الغزل والنسيج فى مصر، وجاء الدور على صناعة الأدوية لكى يتم رد الجميل للذين ساعدوا النخبة الاقتصادية الجديدة، التى لا تختلف عن مبارك إلا فى اللحية والكلام العام عن النهضة، التى ستحول خريجى الجامعات إلى باعة فى محلات وصيدليات الجماعة، يا فقراء مصر ومرضاها يا أهلى وعشيرتى، معكم الله، لأنه لا مكان لكم بعد الثورة التى اختطفها التجار ورجال الدين، «تعالوا على نفسكم» واذهبوا إلى رئيس مصر الجديد.. وقولوا له: تعبنا..