فى يوم الاثنين الموافق 9 من شهر ربيع الأول من عام الفيل الموافق 20 إبريل 571 ميلادية ولد رسول الله، النبى الأمى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ومضت على مولده أربعون سنة، حيث هبط عليه جبريل بالوحى من الله فى مكة، وجاءه الأمر الإلهى فى القرآن الكريم «وأنذِر عشيرتك الأَقربِين» كما جاء فى سورة الشعراء، وبدأ الرسول صلى الله عليه وسلم بعرض الإسلام أولاً على أقرب الناس إليه، وألصقهم به، فدعا آل بيته وأصدقاءه ممن يعرفهم ويعرفونه، يعرِفهم بحب الحق والخير، ويعرفونه بالصدق والصلاح، فأجابه من هؤلاء مجموعة، عرفوا بعد ذلك فى التاريخ الإسلامى بـ«السابقين الأولين»، وفى مقدمتهم زوجة النبى صلى الله عليه وسلم «خديجة بنت خويلد»، ومولاه «زيد بن حارثة»، وابن عمه «على بن أبى طالب»، والصديق «أبوبكر»، أسلم هؤلاء فى أول يوم من أيام الدعوة، ثم نشط «أبوبكر» فى الدعوة إلى الإسلام، وكان رجلاً محبوباً، صاحب خلق وإحسان، فدعا من يثق به «سراً»، فأسلم بدعوته «عثمان بن عفان» و«الزبير بن العوام»، و«عبدالرحمن بن عوف»، و«سعد بن أبى وقاص»، و«طلحة بن عبيدالله»، وأذكر فى طفولتى وقبل دخولى المدرسة، كان مولانا الشيخ «محمود لواتى» عريف كتاب القرية الذى كان يحفظنا القرآن الكريم، كان يحفظنا هذه الأسماء وبعضا من سيرة حياة كل منهم، وسارع كل واحد من هؤلاء إلى دعوة من يطمئن إليه ويثق به، فأسلم على أيديهم «جماعة» من الصحابة، وهم من جميع بطون قريش، وهؤلاء هم «أوائل السابقين الأولين» الذين جاء ذكرهم فى سورة التوبة فى قوله تعالى: «والسابِقُون الأَولُون مِن المهاجرِين والأنْصارِ والَّذين اتبعوهم بِإِحسانٍ رضِى اللَّه عنهم ورضوا عنهُ». وذكر أهل السير، أنهم كانوا أكثر من أربعين نفراً، أسلم هؤلاء «سراً» وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يجتمع بهم فى «سرية» تامة، بعيداً عن أنظار المشركين، فيرشدهم ويعلمهم ما نزل عليه من القرآن الكريم، وأما مدة «الدعوة السرية»، فقد ذكر أكثر أهل السير أنها كانت ثلاث سنوات، وعموما فإن أعضاء الجماعات السرية «المحظورة» فى الغالب الأعم، هم مجموعة من البشر فى حالة من التمرد ضد النظام الاجتماعى أو السياسى القائم، ويجدون أن «السرية» ضرورية ومناسبة لمقاومة الطغيان، وتربى «الجماعات السرية» فى أفرادها الإحساس بأهمية الجماعة، وإلا فإن الفرد سوف يضيع فى المحيط الفاسد الذى يحيط به، ومن هنا كانت الدعوة الإسلامية، قد أجبرت على انتهاج «السرية» كنهج ضرورى وفطرى لنشر الدين الجديد، ولمقاومة طغيان المشركين وفساد الأقوياء الذين يتحكمون فى المجتمع، وما إن استقر الأمر للمسلمين تحت قيادة النبى محمد صلى الله عليه وسلم، حتى أسس أول «دولة إسلامية» فى المدينة، وقادها إلى أن كانت وفاته فى ضحى يوم الاثنين 13 ربيع الأول 11هـجرية الموافق 8 يونيو سنة 633 ميلادية، وخلفه «أبوبكر» ومن بعده «عمر بن الخطاب»، وبعد وفاة الفاروق عادت «السرية» لتبدأ دورتها من جديد، وقتل الخليفة الثالث «عثمان بن عفان» على يد أفراد من جماعة سرية «محظورة»، حيث بدأت «الفتنة الكبرى» فى التاريخ الإسلامى ومنذ هذا الزمن لم يصل حاكم واحد إلى حكم «الدولة الإسلامية»، إلا عبر «العمل السرى» والجماعات السرية «المحظورة» بداية بـ«الدولة الأموية» من 662 - إلى سنة 750 ميلادية فى دمشق، ثم «الدولة العباسية»، من سنة 750 إلى سنة 1258ميلادية بما تضمنته هذه الدول الإسلامية من إمارات وسلطنات ودول، كان آخرها فى مصر «الفاطميون» وفى الشام ومصر «الأيوبيون» و«المماليك» ثم سيطرة الإمبراطورية العثمانية آخر الإمبراطوريات التى كانت تحكم باسم الإسلام على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وقد اختلفت توجهات المؤرخين فى تفسير التاريخ الإسلامى، فكانت هناك توجهات من قبل المؤرخين «القوميين» لتفسير التاريخ الإسلامى على أنه تاريخ عربى محض، فيما كانت توجهات المؤرخين «الشيوعيّين» التى تغلب العوامل الاقتصادية والصراع الطبقى فوق كل اعتبار آخر، أما المؤرخون «العلمانيون» فمنعوا إدخال العامل الدينى ضمن تفسير الأحداث، وكانت جهودهم تتركز على إعادة استكشاف «التاريخ الجاهلى» باعتبار أن بذور النهضة العربية بدأت فى ذلك العصر وما الإسلام إلا بذرة التطور فى الفكر العربى، وبقى المؤرخون «الإسلاميون» يناضلون لإثبات تفرد الإسلام كدين، أحدث ثورة اجتماعية وحضارية منحت العرب دولتهم وحضارتهم، واعتنوا كثيرا فى رصد وتحليل وتفسير الجماعات السرية «المحظورة» التى قام عليها التاريخ الإسلامى كله، وقد حققت الدولة الإسلامية حضارة باهرة استمرت قرونا حتى لحظات انهيارها، لتبدأ الجماعات الإسلامية «المحظورة» دورة الحياة من جديد فى مصر، لكن بشكل يعلى من قيمة العمل «العسكرى» على العمل «الدعوى» ،فلجأوا لاغتيال بعض خصومهم فى فترات تاريخية وفى بعض الجماعات لجأوا لمحاولات اختراق المؤسسة العسكرية، كما فعل الدكتور «أيمن الظواهرى» الذى أسس سنة 1981 أول تنظيم دينى «الجهاد» داخل الجيش، حيث نجح فى إلحاق الشاب «عصام القمرى» بالكلية الحربية، ليكون نواة التنظيم، وتعرف «القمرى» بالكلية الحربية على «محمد مصطفى عليوة»، شقيق «علوى» أحد الأعضاء فى جماعة الجهاد وقتها، وظل «القمرى» يحاول تجنيد عدد آخر لتنظيم «الجهاد» داخل الجيش وقاموا بمحاولات عدة لسرقة السلاح والخرائط لأماكن تمركز القوات، وثبت فى أوراق قضية تنظيم الجهاد «القضية رقم 1 لسنة 1981» التى تولى الحكم فيها اللواء «محمد هاشم خورشيد» بالقضاء العسكرى، أن تنظيم الجهاد ضم ما يقرب من 18 ضابطا، ومهما أعلنت جماعة الإخوان المسلمين «المحظورة» عن موافقتها لفكرة الدولة المدنية ومهما اكتسبت من شرعية «العلنية» تحت غطاء حزب علنى، فسوف يبقى «العمل السرى» هو الأساس، وكل ما نتمناه أن يظل عملها السرى مقتصرا على العمل الدعوى لتطوير وتثبيت حكمها، عبر ذراعها المدنية، والابتعاد عن محاولات اختراق الجيش التى قد تدفع الوطن ليغرق فى بحر من الدماء، لأنها سوف تبقى مرغمة وباختيارها «جماعة محظورة» فالحظر قدر.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة