غياب الدولة وعدم اتفاق القوى السياسية على قواعد اللعبة الديمقراطية كان من ضمن أسباب تعثر المرحلة الانتقالية وفشلها، وكان أيضا من بين أسباب ظاهرة العنف اللفظى والمادى المتصاعد فى المجتمع والساحة السياسية. أحدث مظاهر مسلسل العنف نالت رئيس الوزراء وأبوالفتوح، ودفعت الرئيس لعدم المشاركة فى جنازة الشهداء، بعدها جاء الاعتداء على الإعلامى خالد صلاح وحصار مدينة الإنتاج الإعلامى، والاشتباكات أمام قصر الرئاسة.
أقول مسلسلا لأن العنف اللفظى والمادى باق ومتواصل إن لم نتصارح ونضع حدودا بين حرية الرأى والتظاهر السلمى، وبين تعطيل الخدمات العامة والاعتداء على الآخرين ومنعهم من التعبير السلمى عن آرائهم. وهذه الحدود معروفة فى كل التجارب الديمقراطية ويحميها القانون ومؤسسات الدولة، التى من حقها الاستخدام المشروع والمقنن للعنف ضد من لا يحترم حق الآخرين فى الاختلاف معه أو يستعمل العنف اللفظى أو المادى لفرض وجهة نظره أو إرهاب خصومه.
هذا هو العنف الديمقراطى الذى تمارسه الدولة وفق القانون وتحت رقابة الشعب، لكن لدينا للأسف ما يمكن تسميته بديمقراطية العنف والفوضى، بمعنى أن كل شخص أو جماعة يستعمل العنف أو يهدد به خصومه، باعتبار أن ذلك يدخل فى باب الحقوق الديمقراطية!! من هنا شاعت ظواهر قطع الطرق وتعطيل حركة القطارات ومهاجمة أقسام الشرطة والمستشفيات والمدارس، ولم تبادر النخبة السياسية والأحزاب بإدانة هذه الظواهر والتصدى لها، وإنما تعاملت معها ببرجماتية انتهازية وفضلت الصمت، بل إن القوى السياسية مارست العنف اللفظى والرمزى فيما بينها، بدون ضوابط أو قيود، فالشعارات والهتافات التى رفعت ضد العسكر والإخوان لم يسبق لها مثيل فى الخروج عن الآداب العامة، كذلك شنت قوى الثورة حربا شرسة ضد الفلول، والإخوان، وبدورهم رد الإسلاميون بتكفير الليبراليين، وصفق الجميع عندما قذف بعض الشباب عمرو موسى وأحمد شفيق بالأحذية، ولم ينتبه أحد لخطورة ما يجرى وآثاره السلبية التى قد تطال الجميع بلا تمييز سواء من الفلول أو الثوار أو العسكر والإخوان، لأن سلاح العنف لا يفرق بين أحد، ولا يحترم حرية الرأى والتعبير وحق الآخر المختلف فى الوجود والمشاركة فى العملية الديمقراطية. وقد يبدأ العنف بالألفاظ وتبادل السباب وينتهى بتبادل طلقات الرصاص، لأن الانتقال من العنف اللفظى والرمزى إلى العنف المادى سهل وسريع، فالحدود بينهما غير محددة ورخوة. لذلك من الأفضل واحتراما للديمقراطية التوقف عن سب الآخرين وإلصاق تهم باطلة بهم، لقد أخطأنا عندما سكتنا على ممارسة العنف اللفظى والمادى ضد الفلول، وأدى صمتنا إلى اتساع دائرة استخدم العنف حتى طال الثوار والفلول وأصبح يهدد حرية ووجود الجميع، وعندما رحب الثوار والإخوان بالنكات والشعارات البذيئة ضد المشير وعكاشة، ظهرت شعارات مماثلة طالت المرشد وعديد من رموز الثورة، إذن لابد من وقفة جادة حتى لا يبتلع العنف الديمقراطية ويطال الجميع، ويكبر حتى يصل لحد تبادل الرصاص والتفجيرات. وأعتقد أن الموقف الحقوقى والأخلاقى لابد أن:-
1 - يدافع على الحقوق الديمقراطية لكل أبناء الوطن، طالما ارتضينا المساواة بين المواطنين وعدم التمييز والاحتكام لصندوق الانتخابات.
2 - الإدانة الواضحة لجميع أشكال استخدام العنف أو التهديد به فى العمل السياسى، أو فى حركات الاحتجاج الاجتماعى والمطالب الفئوية.
3 - احترام جميع أشكال النضال السلمى البعيدة عن العنف والتى كانت سر نجاح ثورتنا.
4 - قيام الأحزاب والقوى السياسية بتدريب أعضائها على احترام حق الرأى والتعبير وحقوق الأقليات، والامتناع عن استخدام جميع أشكال العنف.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة