كان الرئيس السادات، رحمه الله، يتباهى بأن ديمقراطيته لها أنياب و«أظافر» تستطيع أن تفرم المعارضين بـ«القانون» وتؤدبهم وتقطع ألسنتهم، لكننا الآن نعيش عصرا جديدا ديمقراطيته لها أنياب و«حوافر»، تستطيع أن تدهس المعارضين بـ«الأحذية»، وتحشد لهم الأنصار والفتوات ومفتولى العضلات، على أبواب مدينة الإنتاج الإعلامى يزأرون ويهتفون ويصرخون ويضربون ويمنعون الإعلاميين وضيوفهم من الدخول ويعتدون عليهم ويهشمون سياراتهم، ويشيعون أجواء من الخوف والقلق على مستقبل هذا البلد.
ديمقراطية لها أنياب و«حوافر» وأهم أسلحتها الإزدواجية فى المعايير، فتبيح لنفسها ما تحرمه على الآخرين، فعندما تفتح غرف جهنم الإلكترونية التابعة للإخوان المسلمين مدفعية الشتائم والمطاردة والملاحقة لخصومها وتنعتهم بأبشع الصفات، لا يستنكر أحد ذلك ولا يقول إنه عيب، ولكن حين يمس التشويه الرئيس مرسى أو قيادات الجماعة تنقلب الدنيا رأسا على عقب ويتم استحضار عصا العيب والتأديب.. وسبحان مغير الأحوال، فنحن نسمع اليوم نفس الكلام الذى كان يقال فى العهد السابق حول ضرورة احترام الرئيس رمز الدولة والحكم والنظام، وكانوا يعتبرون مثل هذا الكلام فن صناعة الفرعون!
ديمقراطية لها أنياب و«حوافر» تسمح لأنصارها بالتظاهر أيامًا وأسابيع فى ميدان التحرير، ولكنها بعد أن قبض الإخوان على السلطة أصبحت المليونيات الثورية والمظاهرات السلمية رجس من عمل الشيطان، وبدأت فنون التحرش بالمتظاهرين أمام المنصة والقصر الجمهورى وضربهم وسحلهم ومطاردتهم فى الشوارع.. ديكتاتورية الكلمة التى تصنعها قلوب لا تحب الحرية، وإنما تركب ظهرها وصولا للهدف وبعدها ملعون أبوالحرية، وعقول منغلقة على نفسها تكره أن تسمع صوتا غير صوتها وتحكم بالإقصاء والإبعاد على من يخالفها الرأى، مع أن فضاء الديمقراطية الفسيح الذى دخلت إليه البلاد يمكن أن يتسع لكل الآراء والأصوات، دون ضرب أو سحل أو تهديد أو حشد الجماهير الغاضبة والأصوات الصارخة والأيدى الطويلة.. ديكتاتورية لا تفرق بين «احترام» الرئيس و«تقديس» الرئيس، فالاحترام حق لجميع المواطنين وليس للرئيس وحده، والمثل يقول «إذا أردت أن تنظف سلم بيتك فابدأ بالدرجات الأعلى»، والأعلى هو الذى يحكم ويدير البلاد، وعليه أن يكون القدوة ويضرب المثل ويتسلح بالصبر والاحتمال ويرتفع فوق الصغائر، لا أن يستدعى الميليشيات للمعارضين ويضيق ذرعا بنسمات الديمقراطية التى تهب على البلاد.
القانون العادل هو الذى يحمى الشعب من الرئيس والرئيس من الشعب، ويشيع فى البلاد أجواء الاستقرار والهدوء والطمأنينة، أما غير ذلك فيجرجر الجميع إلى مستنقع «ديمقراطية الحوافر».. ونسيت أن أقول إن كلمة «حوافر» فى القاموس معناها جمع حافر، وحافر الدابة هو ما يقابل القدم عند الإنسان.