وائل السمرى يكتب:مصطفى السباعى.. المؤمن الحق.. أسس جماعة الإخوان فى سوريا وألف كتاباً يمتدح الاشتراكية وأكد أن عظمة التشريع الإسلامى أنه "علمانى".. حارب من أجل إرساء قواعد المواطنة

الثلاثاء، 14 أغسطس 2012 09:46 ص
وائل السمرى يكتب:مصطفى السباعى.. المؤمن الحق.. أسس جماعة الإخوان فى سوريا وألف كتاباً يمتدح الاشتراكية وأكد أن عظمة التشريع الإسلامى أنه "علمانى".. حارب من أجل إرساء قواعد المواطنة العالم الكبير والمصلح الرائد مصطفى السباعى
وائل السمرى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء



◄أسس جماعة الإخوان فى سوريا وألف كتاباً يمتدح الاشتراكية وأكد أن عظمة التشريع الإسلامى أنه «علمانى»

◄حارب من أجل إرساء قواعد المواطنة وأسقط حكم الجزية عن المسيحيين وقال إن النبى استضاف أهل الكتاب فى الجامع

◄قال: الإصلاح الحقيقى أن يبدأ بالضرب على المتاجرين بالدين فهم الأعداء الحقيقيون للمصلحين المخلصين


هو سليل تلك المدرسة الكبيرة التى نشأت فى مصر وتفرعت فأثمرت فروعها علما وحكمة ونضالاً وإيماناً، مدرسة جمال الدين الأفغانى التى كانت حلما فى ذهن المصلح الكبير فجعلها الإمام محمد عبده واقعا، فأخرج للعالم الإسلامى عشرات الأئمة المصلحين الذين دافعوا عن دين الله وأجهضوا مسلسل سحق الهوية العربية الإسلامية، وأكسبوا الدين تجدداً وشموخاً ورفعة وبهاء، هو من يصدق فيه قول رسول الله «الإيمان ما وقر فى القلب وصدقه العمل» فآمن بالله وعمل على طاعته والتضحية من أجل إعلاء كلمته، وآمن بشعبه العربى وجاهد فى سبيله، وآمن بسماحة الإسلام وتمدنه فعمل على ترسيخ تلك السماحة محاربا كل أشكال التمييز والعنصرية، وآمن بمبادئ الإسلام الاقتصادية التكافلية الاشتراكية فتبنى تلك القضية وحارب من أجلها، وآمن بقدرة المسلم المستنير على النهوض بأمته فعمل أقصى ما يستطيع حتى يتحقق ما يريد، رافعاً سلاح العلم فى وجه الجهل، متمسكا بمبادئ الشريعة السمحة دون التقيد بأفرعها وتفرعاتها المذهبية فوصل إلى مرحلة الصفاء الإسلامى النبيل.

هو العالم الكبير والمصلح الرائد مصطفى السباعى ابن حلب السورية المسلم الديانة العربى النزعة، الإنسانى الهم والحلم، المولود سنة 1915م لأسرة عريقة فى العلم والمعرفة، وهو ما ساعده على بلوغه مرتبة النبوغ سريعا، وبالتزامن مع إنماء وعيه الدينى عمل السباعى على تنشيط دوره السياسى، فانضم للجمعيات السرية التى كانت تكافح ضد الاستعمار، فسجن مرة بعد مرة، وقد اختار أن يناضل بعلمه الوافر وروحه الوثابة وجسده الهزيل، ولذلك سافر إلى مصر ليدرس فى الجامع الأزهر على يد أئمته العظام.

فى مصر التحق السباعى بكلية الشريعة ليدرس الفقه وأصوله، وليشترك أيضاً فى نضاله العربى ضد المحتل الإنجليزى فسجن بعد اشتراكه فى مظاهرة ضخمة ضد الاحتلال البريطانى وبقى فى السجن حتى توسط له الشيخ المراغى فأخرجته السلطات البريطانية من مصر إلى غزة حيث اعتقل هناك أربعة أشهر، ثم رحلته إنجلترا إلى الشام ليمكث هناك فى السجن عامين متلقيا كل صنوف العذاب.

فى مصر أيضاً تعرف على الإمام حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين واقترب منه وحينما سافر إلى سوريا عمل على توحيد التجمعات الإسلامية فى كيان واحد فأسس فرع الجماعة فى سوريا وأصبح مراقبها العام، ولعمق تأثير الأجواء المصرية فى وجدانه أسس جريدة باسم «المنار» 1947م مقتبساً الاسم من الشيخ رشيد رضا ولأن الإيمان هو ما وقر فى القلب وصدقه العمل فقد انضم السباعى إلى كتائب الدفاع عن المسجد الأقصى فى حرب 1948 بكل ما أوتى من قوة، ولما لحقتهم الهزيمة عاد ليكمل نضاله فى بلده، ضد الجهل والتخلف والطائفية والرجعية، حيث نجح فى الانتخابات التشريعية السورية فى العام 1949م واختير ضمن لجنة لوضع الدستور السورى الجديد. وحينما تم إصدار قرار بحل جماعة الإخوان المسلمين فى سوريا سنة 1952 سافر إلى بيروت ولم يعد إلى دمشق إلا بعدها بسنتين، ليعود إلى ميدان الصحافة مرة أخرى، ويصدر جريدة الشهاب، وسرعان ما عاد إلى مصر مرة أخرى ليشترك فى صد العدوان الثلاثى على مصر، وقد بدت عليه آثار المرض، ليعود إلى سوريا مرة أخرى ويقعد طريح الفراش ثمانى سنوات مصابا بشلل نصفى لتختبره تلك الفترة بأقسى المحن فيخرج منها صافى القلب والذهن ويكتب خلالها كتاب «هكذا علمتنى الحياة» الذى يعتبر قطعة أدبية فريدة مشبعة بالحكمة والرؤية الثاقبة.

إلى فئة المثقفين المناضلين ينتمى العالم «مصطفى السباعى» وهو الذى قضى عمره كله يحمل من الدعوة الإسلامية أجمل ما فيها من فداء وصفاء ومحبة وإيثار، لا تعميه انتماءاته عن مصلحة بلاده، ولا يتورع فى أن يسخر معرفته بالشريعة الإسلامية من أجل الدفاع عن القيم السامية والمبادئ الرفيعة التى ترسخها تلك الشريعة، فكان كلما يذكر كلمة «شريعة» يذكر بجوارها كلمة «مبادئ» حتى لا يلتبس الأمر على أحد فيظن أنه يستبد بالشريعة أو يتاجر بها، وأثناء وجوده بمجلس الأمة السورى كان نعم الفقيه المستنير الذى يدافع عن الشبهات التى حاول الاستعمار أن يلصقها بالدين الإسلامى، من أنه دين التمييز والاضطهاد والطائفية، فوقف فى البرلمان يدافع عن حقوق المواطنة، مخرجاً حكماً شرعياً ليبطل ادعاء من يقولون إن المسلمين سيجبرون المسيحيين على دفع الجزية عقب وضع مادة بالدستور السورى تنص على أن الإسلام دين رئيس الدولة، فقال إن الجزية كانت قبل الإسلام تفرض على من لم يكن من الفاتحين عرقاً أو بلداً أو ديناً، سواء حارب أم لم يحارب، أما فى الإسلام فلا تفرض إلا على المحاربين من أعداء الأمة، أما المواطنون من غير المسلمين من لم يحاربوا الدولة فلا تفرض عليهم الجزية وهو الأمر الذى فعله عمر بن الخطاب مع نصارى تغلب وقال: لو رجعنا إلى آية الجزية فى القرآن لوجدناها تقول: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر.. فهى كما ترون تجعل الجزية غاية لقتال أهل الكتاب حين نتغلب عليهم.

وليس كل أهل الكتاب يجب علينا أن نقاتلهم، إنما نقاتل من يقاتلنا ويشهر علينا السلاح، ويعرّض كيان الدولة للخطر، وهذا هو صريح الآية الكريمة: «وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم، ولا تعتدوا إن الله لايحب المعتدين» ملخصاً القول بأن: «الذين يعيشون فى الدولة مع المسلمين من أهل الكتاب، ويشاركونهم فى الإخلاص والولاء لها، ليسوا ممن يجوز قتالهم، فلا تفرض عليهم الجزية التى هى ثمرة القتال بعد النصر، وهذا ما يفهم من آيات الجزية من غير تأول ولا تعسف».

ولم يكن إرساؤه لمبدأ المواطنة هذا غريبا عليه فورد فى كتاب «مصطفى السباعى الداعية المجاهد والفقيه المجدد» أنه كان فى الثالثة والعشرين من عمره، وأصدرت حكومة الكتلة الوطنية أثناء الاستعمار الفرنسى قانون الطوائف، فكتب فى افتتاحية مجلة الفتح وهو فى مصر كلمة هاجم فيها قانون الطوائف قال فيها: ماذا نقول فى بلد دخله أوصياؤه وهو شعب واحد وأمة واحدة فما لبثوا أن جعلوه موزعاً بين عرب مسلمين ومسيحيين ويهود ونصيرية ودروز وإسماعيليين وشيعة وأكراد وتركمان وشركس وداغستان وغجر ثم زادوا عليها الأرمن والآشوريين، وفى انتصاره للجمهورية المدنية قال: إن هذه البلاد أحبت النظام الجمهورى، واعتنقته واعتقدت بصلاحه، وإننا نعلن بكل إيمان وصراحة ووضوح بأننا لا نريد عن النظام الجمهورى بديلاً: إننا نريد لوطننا نظاماً شعبياً ديمقراطياً، يقوم على إرادة الشعب، وتتمثل فيه إرادة الشعب، كما أنه أسهم فى وضع دستور سوريا الذى يقول إن الإسلام دين الدولة والأديان السماوية محترمة ومقدسة، والأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية، المواطنون متساوون فى الحقوق لا يحال بين المواطن وبين الوصول إلى أعلى مناصب الدولة بسبب الدين أو الجنس أو اللغة.

ليس هذا فقط بل إن أحد الباحثين وهو محمد باروت ذكر فى بحثه «العلمانية المؤمنة» أن السباعى كان رائد هذا الاتجاه، حيث إنه قال فى مجلس الأمة السورية إن «التشريع الإسلامى» علمانى وذلك لأنه يقصد تحقيق مصالح الناس شارحاً وجه نظره قائلاً «إن الإسلام فى تشريعه مدنى علمانى يضع القوانين للناس على أساس من مصلحتهم وكرامتهم وسعادتهم، لا فرق بين أديانهم ولغاتهم وعناصرهم» وهى تقريباً الجملة التى تتوافق مع ما قاله الإمام المراغى فى لجنة وضع القوانين حيث قال لأعضاء اللجنة «ضعوا ما ترونه صالحاً للناس وستجدون فى الشريعة ما يؤيد اتجاهكم» وفى ذلك تطبيق عصرى وحديث لمبدأ مقاصد الشريعة التى يهدف الإسلام إلى تحقيقها، ويقول باروت إن السباعى بهذا التوجه أسس ما أسماه «الإسلام الحضارى» وهو المصطلح الذى يستخدمه البعض الآن، وهو الذى يشمل جميع أفراد الأمة مهما كان دينهم.

فى تجديدات «السباعى» واستنارته يعترف بالفضل الأول للمصلح الكبير جمال الدى الأفغانى ومحمد عبده حيث يقول فى مقدمة كتابه «الاشتراكية الإسلامية»: ولقد أسهم كثيرون من أفاضل العلماء والمصلحين منذ عصر المصلح الكبير السيد جمال الدين الأفغانى وتلميذه الإمام محمد عبده رحمها الله حتى وقتنا هذا فى جلاء الحقيقة التى جهلها دعاة المذاهب المستوردة إلى أن استوى التحرر العلمى على قدميه واستطاع أن يرد الباطل ويكشف الزيف ويجلو جمال الحق للأبصار» فهو يتعامل معهما باعتبارهما الأستاذين اللذين مهدا الطريق للعلم، ورسخا دعائم التجديد، ولذلك يختار السباعى وهو واثق من جرأته التجديدية أن يتناول الاشتراكية من منظور إسلامى، فيقول إنه اختار أن يكون عنوان الكتاب «اشتراكية الإسلام» لعلمه بأن «الاشتراكية» ليست «موضه» بل هى نزعة إنسانية تتجلى فى تعاليم الأنبياء ومحاولات المصلحين منذ أقدم العصور.. تسعى الشعوب إلى تحقيقها لتتخلص من فواجع الظلم الاجتماعى والتفاوت الطبقى الفاحش المزرى بكرامة الإنسان، ويؤكد السباعى أن هدف الدين الإسلامى هو ذاته هدف الاشتراكية غير أن الإسلام سبق النظرية الغربية بمئات السنين فيقول: «هدف الاشتراكية على اختلاف مذاهبها هو منع الفرد من استغلال رأس المال للإثراء على حساب الجماهير وبؤسهم وشقائهم وإشراف الدولة على فعالية الفرد الاقتصادية ومراقبتها له وتحقيق التكافل الاجتماعى بين المواطنين بحيث تمحى مظاهر الفاقة والحرمان وتفاوت الثروات تفاوتا فاحشا يقترن فيه الجوع والفقر والمرض والمهانة بجانب الترف والرفاهية والقسوة والانحلال الخلقى.

ويتهكم السباعى على أحد الذين لاموه على هذا الاتجاه قائلا: «قال له أحدهم إنى لأعجب من تبنيكم للاشتراكية وهى تبيح التأميم، والتأميم ضد الإسلام، فقلت له أنت لا تعرف ما هى الاشتراكية، ولا ما هو الإسلام»، ثم يمضى السباعى ليشرح محاسن الاشتراكية قائلاً: النظام الاشتراكى يحقق لنا كل ما نحتاج إليه من إصلاح لأوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ولا يضيق ذرعاً بكل تجديد للحياة الحرة الكريمة، مستعرضا فى كتابه موقف الأديان من الفقر، ولما تطرق إلى الدين الإسلامى أكد أنه يكفل كل الحقوق الطبيعية للإنسان، ومنها حق الحياة التى أكد على حفظها، وحق الإنسان فى العلاج وحق الإنسان فى الدفاع عن نفسه، كما قال إن الإسلام يسقط الواجبات الشرعية عند الخطر، وأجاز فعل المحرمات عند الضرورة، وحمى حياة الأطفال والأرقاء والعبيد، كما كفل الحرية الإنسانية والدينية والعلمية والسياسية والمدنية والاجتماعية والأدبية، وأشاد بالعلماء وفضلهم على المنقطعين للعبادة، وعمل على صيانة كرامة الإخاء الإنسانى بين المسلم وغير المسلم، وساوى بينهم فى الحقوق ورسخ العدالة القضائية فى دولته، وكفل للناس حق التملك ولم يتطرق إلى التأميم إلى فى حالات الضرورة القصوى، وكره تضخيم الثروات، ومنح من يحيى أرضا مواتا حق استغلالها وتملكها، كما أكد أن الإسلام حمى الحقوق العمالية، وأنه من الممكن أن نعتبر سلوكيات الرسول صلى الله عليه وسلم سلوكيات اشتراكية، خاصة إذا ما نظرنا إلى حياته وزهده وتصدقه.

ولم يكن هذا الاتجاه الإنسانى المتضامن مع حقوق الإنسان الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بغريب على فكر «السباعى»، ففى كتابه «من روائع حضارتنا» أثبت أن به ما يحلم به كل صناع الدساتير بالعالم العربى من مبادئ.

النزعة الإنسانية موجودة فى الإسلام، فيقول إن أكبر دليل على نزعة الإسلام الإنسانية هو قول الله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة»، وهو ما يعنى وحدة الجنس البشرى كله أمام الله، فكلهم كأسنان المشط، إذ لا فرق لعربى على أعجمى إلا بالتقوى، وأكرم الناس عند الله هو أتقى الناس، كما أن القانون الإسلامى لا يفرق بين الناس، وذلك لقول رب العزة: «فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره من يعمل مثقال ذرة شرا يره»، قائلا إن الله كثيرا ما كان يخاطب المجتمع الإنسانى قائلا: «يا أيها الناس» أو «يا بنى آدم»، وحينما كان يريد أن يخاطب المؤمنين كان يقول: «يا أيها الذين آمنوا»، مؤكدا أن «الوحدة الاجتماعية فى المجتمع كشجرة تهز أغصانها جميعا إذا لمستها الرياح لا فرق بين أعلاها وأدناها».

ويقول السباعى فى ذات الكتاب إن التشريع الإسلامى يسمو فوق كل الفروق الدينية لأن الله يقول: «ولقد كرمنا بنى آدم»، ولم يقل لقد كرمنا المسلمين فقط، كما أن رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه يقول: «كلكم لآدم وآدم من تراب ولا فضل لعربى على أعجمى إلا بالتقوى»، ويؤكد أن الإسلام لم يضق ذرعاً بالأيان السابقة ولم يتعصب لمذهب، مؤكداً أن الأديان السماوية تستقى من معين واحد، وهذا ما يدلنا عليه قوله تعالى: «شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذى أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه»، ولذلك فالأنبياء إخوة «لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون»، وإنه لا إكراه فى الدين، وإن العبادة بالديانات الإلهية محترمة «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا»، كما أمر الله بالالتزام بآداب الحوار إذا ما حدث نقاش بين المسلم وغيره، كما أمرنا بعدم سب المخالفين دينيا، كما تتجلى عظمة الإسلام فى الحرب التى لا يجوز فيه الانتقام ولا إجبار أحد على أن يغير دينه «وحسبهم أن يلتزموا بدين الدولة ليكونوا كالمسلمين فى الحقوق، ويؤكد أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حينما أتاه وفد نصارى الحبشة جلس معهم فى المسجد النبوى وجعلهم يبيتون فيه، وصار يخدمهم بنفسه قائلاً: إنهم كانوا لأصحابى مكرمين»، ويكمل السباعى قائلاً إنه فى عصر الخلفاء الراشدين كانت الرحمة والتعاون مع المختلفين دينا كبيرة، فحينما وجد عمر يهودياً عجوزاً يتسول من أجل دفع الجزية لأمه وأوصله إلى بيته وخصص له راتباً شهرياً، وفى عهد الخلفاء العباسيين كان المجتمع ممتلئ بالديانات والمذاهب المختلفة، فى تجسيد حقيقى لسماحة الإسلام وعدالته.

أما فى كتابه «هكذا علمتنى الحياة» فقد وصل السباعى إلى ينابيع الحكمة وفاض بما تعلمه من مأثورات على مدار حياته الكبيرة عملاً والقصيرة أجلاً، والكتاب عبارة عن جمل متناثرة تشبه الحكم أو الأقوال المأثورة وضع فيها السباعى فلسفته فى الحياة، فيقول محذراً من إساءة فهم الدين: «الذين يسيئون فهم الدين أخطر عليه من الذين ينحرفون عن تعاليمه، أولئك يعصون الله وينفِّرون الناس من الدين وهم يظنون أنهم يتقرَّبون إلى الله، وهؤلاء يتبعون شهواتهم وهم يعلمون أنهم يعصون الله ثم ما يلبثون أن يتوبوا إليه ويستغفروه» ويقول فى تعريف المؤمن: «ليس المؤمن من لا يعصى الله وإنما من إذا عصاه رجع»، وفى إرساء الدول يقول: «العواطف تنشئ الدولة والعقول ترسى دعائمها والأهواء تجعلها ركاماً»، وفى الفرق بين القرآن والإنجيل يقول: حكمة الإنجيل: «من أمسك بطرف ثوبك فاترك له ثوبك كله» أسلم للفرد، وحكمة القرآن: «فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى» أسلم للجماعة، فالإنجيل «يحتم» تسامح الإنسان فى حقه، وهذا أقرب إلى المثل الأعلى، والقرآن «يرغب» فى ذلك، وهذا أقرب لطبيعة الإنسان.

ويبين إساءة فهم البعض للدين قائلاً: بعض دعاة الدين يذكرون قوله تعالى: «واغلظ عليهم» وهم لا يفهمون معناها، وينسون قوله تعالى: «ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك» وهى واضحة المعنى، ولتبيين ما قد يفعله الجمود فى التعامل مع الشريعة يقول: الذين يطمسون وجه الشريعة المشرق بجمودهم أسوأ أثراً من الذين يطمسونه بجحودهم، وفى بث الأمل يقول: ربَّ صرخة تذهب اليوم هباءً، تكون فى المستقبل القريب عاصفة وبناءً، وفى التحفيز على عدم الاهتمام بالسخرية من المصلحين يقول: لولا جرأة المصلحين واستهزاؤهم بهزء الساخرين لما تخلَّص المجتمع من قيوده وأوزاره، وفى العلاقة بين الحياة والأفكار يقول: الحياة تخلق أفكارنا، وأفكارنا تصنع شكل الحياة التى نريدها، وفى تبشيع إساءة استغلال الدعوة إلى الله يقول: بعض الناس يستغلون الدعوة إلى الله لأمراض فى قلوبهم، ويتظاهرون بالحماس لها والله أعلم بما فى نفوسهم، ليت شعرى! أيعلمون أنهم بذلك يشككون الناس فى إخلاص كل داعية إلى الله؟.. أم أن الشيطان الذى اشترى ضمائرهم جعلهم لا يبالون بنتائج ما يفعلون، وفى رصد المفارقة بين القول والفعل يقول: أكثر الناس خطرا على الأخلاق هم علماء الأخلاق وأكثر الناس خطرا على الدين هم رجال الدين.

ولمن يتفاخرون بأغلبية زائلة يقول: لا يقاس الحق والباطل بقلَّة الأنصار أو كثرتهم، ففى كل عصور التاريخ بلا استثناء كان الباطل أكثر أتباعاً: وإن تطع أكثر من فى الأرض يُضلوك عن سبيل الله، لو كان تألب الناس على الحق دليلاً على بطلانه لكان حقنا فى فلسطين باطلاً، فإسرائيل لا تزال تخدع الرأى العام العالمى بوجهة نظرها، ومع ذلك فنحن لن نتراجع عن حقِّنا بكثرة أنصارها، وقلة أنصارنا، فالجماهير لا عقل لها فيما يوافق شهواتها، فليس إسراعها إلى كل ما يخالف الشرائع، وقوانين الأخلاق دليلاً على صحة اتجاهها، ولا يروعنَّك تهافت الجماهير على الباطل، كتهافت الفراش على النار، فالطبيب الإنسانى هو الذى يؤدى واجبه، مهما كثر المرضى، فإذا استطعت أن تهدى واحداً فحسب فقد أنقصت من عدد الهالكين.

مؤكداً أن «الدين الحق هو الذى يعطيك فلسفة متكاملة للحياة، ونظاماً وافياً بحاجات المجتمع، كالمهندس الماهر يبنى لك بيتاً متين الدعائم، مستوفى المنافع» وأنه «من لم ينبع تفكيره من مبادئ الشريعة ضل، ومن لم يستمد سلوكه من أخلاقها انحرف، ومن لم يقيد عمله بأحكامها ظلم وموصيا الحكام بإسعاد الشعوب قائلاً: «إن على ملوكنا ورؤسائنا ألا يحولوا بيننا وبين الحرية والحياة السعيدة؛ لنشعر بكرامتنا فى أنفسنا قبل أن نطلب كرامتنا فى نفوس أعدائنا، إن خيراً لهم وأكرم لقيادتهم وأعظم لمكانتهم أن يقودوا أمة من الأسود، من أن يجروا وراءهم قطعاناً من الغنم، ولم ينس أن يدلنا على أول الطريق قائلاً: الإصلاح الحقيقى أن يبدأ بالضرب على المتاجرين بالدين وروحانيته وأخلاقه، فهم حجر عثرة فى سبيل كل إصلاح نافع، وهم الأعداء الحقيقيون للمصلحين المخلصين.












مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة