هل هو حكى لأسطورة خواجة أسلم، أم عن الحب والتصوف، أم الظلم والعدل. هو عن كل هذا لأنه عن الإنسان بضعفه وقوته وتناقضاته ومشاعره، وأحلامه وطموحاته وظلمه وبحثه عن العدل.
دخل عمل الخواجة عبدالقادر قلوب الناس. وكاد يصبح أسطورة، ضمن عشرات الأساطير تمثلها أضرحة لمئات الأشخاص المجاهيل بطول مصر وعرضها. الخواجة رمز للمؤمن الذى يتجاوز المظاهر، على عكس منصور الذى يقدم المظاهر والطقوس، وجاهز للشهادة الزور. يركز على الشكل ويعتبر أن استماع الخواجة للموسيقى يشكك فى إيمانه.
بينما عبدالقادر مؤمن صادق شجاع طيب، ولم تكن مصادفة أن يكون هربرت اتجه للسودان، وتعرف على الشيخ عبدالقادر، الزعيم الصوفى، وأول ما شد هربرت كان صوت الحضرة، وموسيقى شفيفة، تحتضن قلب وعقل هربرت، الذى جاء يائسا من الحياة ومن طمع زوجته، وعقوق ابنه فى بريطانيا، ويسعى لقتل نفسه بالسكر، ويكتشف هدفا لحياته عند متصوفى السودان، وينتقل لمصر حاملا الحب مع الشيخ عبدالقادر الذى يعطيه اسمه، ويظل متواصلا معه بالروح حتى النهاية.
اختار عبدالرحيم كمال تيمة الإيمان، وهى أوسع من الدين المظهرى، واختار مقام الشيخ عبدالقادر، الذى كان استمرارا لصراع الخير والشر، والظلم والعدل، حيث يواصل ابن عبدالظاهر، محاولة هدم مقام الخواجة، لاستخراج الآثار. وفى الصورة المهندس كمال الابن الروحى وحامل رسالة الخواجة، وهو الذى بنى مقامه، ويدخل فى مواجهة مع ابنه بأفكاره السلفية وانضمامه لجماعة تسعى لهدم الضريح. يواجه الابن معاناة، بينما يبدو كمال واثقا من قدرة الضريح على مقاومة الهدم، بقوة الإيمان، التى يحملها كمال بإيمان حقيقى، أقرب للإيمان المصرى الذى يحمل قدرا كبيرًا من الإيمان والتسامح والاعتدال.
عبدالرحيم كمال يقدم الإيمان المصرى، فى مواجهة المظهرى الذى يركز على الظاهر وينافق السلطة، أو فى المتعصبين الذين تلتقى أهدافهم أحيانا مع تجار الآثار وأصحاب المصالح.
ويجب الاعتراف بالأداء الجيد لنجوم مثل يحيى الفخرانى بموهبته السلسة، وبالطبع محمود الجندى وصلاح رشوان وسوسن بدر وغيرهم، والفتاة التى قدمت زينب حبيبة الخواجة. والأطفال الذين قدموا دور كمال ويوسف وشقيقه أحمد. لكن الكاتب عبدالرحيم كمال، يستحق التحية، فهو ينتمى لشجرة الكتاب العظماء مثل أسامة أنور عكاشة رحمه الله، أو محفوظ عبدالرحمن متعه الله بالصحة. وباقى الكتاب ممن تعاملوا من النص على أنه لحم ودم، وامتلكوا ثقافة حقيقية، مع عدالة فى التعامل مع التاريخ. ولهذا تأتى نصوصهم مطعمة، بأفكار ناضجة، تتناول قضايا خلافية فى المجتمع بيسر وسهولة.
عبدالرحيم كمال يقدم إضافة فى كل عمل يقدمه، من همام للرحايا، لكنه فى الخواجة، يتعرض لقضية متجذرة فى ريف وصعيد مصر، هى التصوف والإيمان الإنسانى المعتدل الذى يستوعب الشهامة والشجاعة، والتسامح. والحب. لقد بدا عبدالقادر أسطورة من لحم ودم. تجعل عبدالرحيم كمال صاحب مشروع درامى وأدبى محترم يستحق التحية. وللحديث بقية.
مجاذيب عبدالقادر.. غريب يقود غرباء
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة