ليس معقولا أن يبشرنا الأمن بالإعلان عن ضبط قضية كبيرة لتنظيم الجهاد، ثم نفاجأ أن المضبوطات التى تضمنها محضر الشرطة أشياء تافهة ولا قيمة لها، ولا تصلح لإحالة المتهمين للمحاكمة ولا حتى القبض عليهم من الأساس، مما يؤكد ضرورة أن تتغير العقلية من أسلوب «الأمن العشوائى» إلى «الانضباط القانونى»، إذا كنا نريد خيراً لهذا البلد، وإذا كانت تلك الأجهزة عاقدة العزم فعلا على استعادة سلطتها وهيبتها، والعودة إلى ممارسة مهامها الخطيرة بمنتهى الوضوح والشفافية، وتحت مظلة دولة القانون.
القضية المُعلن عنها منذ يومين تشير إلى أنه تم ضبط مخزن يحتوى على أجهزة لاسلكى وطائرة بدون طيار وكتيبات لتنظيم الجهاد.. العناوين تصيب من يقرأها بالخضة والخوف، ولكن محضر المضبوطات المنشور فى الصحف يثير الدهشة والاستغراب.. فصورة الطائرة المنشورة لا تصلح لأن تكون أكثر من لعبة أطفال.. أما الأشياء الأخرى فموجود مثلها فى بيتى وبيتك وفى بيوت الضباط الذين ضبطوا القضية: طابعة بمشتملاتها، إسكنر، كشاف إضاءة، إريال كهربائى، كاميرا ديجيتال، 2 جرس مكتب، مسدس لحام شمعى، كابل كمبيوتر، 7 لمبة موفرة للطاقة، كيس قماش فيه شاكوش، شنيور بمشتملاته وهكذا.. وتم إخطار المعمل الجنائى لفحص مسرح الأحداث.
بالزمة دا كلام؟.. يمكن الشىء الذى لفت نظر الضباط وأثار شكوكهم، هو وجود ثلاثة أعلام سوداء بين المضبوطات مكتوب عليها «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، وبالطبع هذا لا يكفى كدليل لتفاهة العدد، ووجدوا أيضا «كتيبات للفكر الجهادى» وهى اتهامات مطاطة ومرسلة وأسلوب مباحثى قديم فى تلفيق التهم من أيام غفير الدرك، لأن ملايين الكتب من هذا النوع تباع على الأرصفة، ويزخر الإنترنت بترسانة هائلة من الكتيبات الجهادية، ولكن يبدو أن العقلية الأمنية ما زالت على ثوابتها التقليدية رغم التطورات المذهلة التى دخلت عالم الجريمة، والأسلحة والوسائل التكنولوجية الحديثة التى يستخدمها الإرهاب والإرهابيون.
أقول هذا الكلام لأننى أتوقع أن تشهد الأيام القادمة ما يمكن أن يسمى «معركة النفس الأخير مع الإرهاب»، بعد تضييق الخناق على معسكراتهم وتحركاتهم فى سيناء، مما قد يدفعهم للقيام بعمليات طائشة فى الداخل، لتشتيت انتباه قوات الشرطة والجيش وإثبات قدرتهم على الحركة، وهذا بدوره يتطلب عيونا مفتوحة وكوادر أمنية ذات تركيز عال ولها قدرة كبيرة على جمع المعلومات والتحريات الحقيقية، لإجهاض التحركات وضبط الجريمة قبل حدوثها.