ليس عيبًا أن أستخدم «نظرية المؤامرة» فى تفسير الدور الخفى الذى تلعبه إسرائيل ووراءها الولايات المتحدة الأمريكية فى إجهاض الأهداف الإيجابية لثورات الربيع العربى، وسعيهما إلى تفجير الانفلات الأمنى وإشعال والفوضى وضرب الاستقرار وتفتيت دول المنطقة، ولا أنسى أبداً جملة شهيرة قالها منذ أكثر من نصف قرن «ديفيد بن جوريون» أول رئيس وزراء إسرائيلى: «عظمة إسرائيل ليست فى قنبلتها الذرية ولا ترسانتها المسلحة، ولكن فى العمل على انهيار ثلاث دول هى مصر وسوريا والعراق»، وهى مثلث القوة الذى كان يقف بالمرصاد لمطامع إسرائيل.
ليس عيبًا أن أستخدم نظرية المؤامرة، لأن إسرائيل نفسها ولدت بمؤامرة، وتوسعت بمؤامرة، ونجحت فى القضاء على العراق بمؤامرة، ونفذ فصلها الأخير وزير الخارجية الأمريكية كولن باول حين ذهب إلى مجلس الأمن سنة 2003، عارضاً على أعضائه صوراً بالأقمار الصناعية لكائنات صغيرة تمشى على الأرض فى منطقة شط العرب وتشبه النمل والصراصير، زاعما أنها سيارات ضخمة متحركة تخفى الأسلحة الكيماوية والبيولوجية التى يمتلكها صدام، وصدقوه وبصمت الدول الكبرى على قرار الحرب، ثم اكتشفوا بعد تدمير العراق وتحطيم قوته العسكرية، أن باول كان يكذب ومعلوماته خاطئة.
وكانت الخطوة التالية هى إخراج العراق إلى الأبد من موازين القوى فى المنطقة وإبعاده تماماً عن الصراع العربى الإسرائيلى، فاخترعوا نظرية «الفوضى الخلاقة»، عندها انتشرت فرق الموت الاغتيالات والمذابح والتفجيرات، ولاحت نذر الحرب الأهلية بين السنة والشيعة، ولعبت قوات الاحتلال الأمريكى دوراً مشجعا للانفلات الأمنى، بزعم أن الفوضى التى تتم صناعتها فى العراق سوف تبرد مثل الكون وتخلق فى النهاية وضعًا مستقراً، يدخل فى إطار نظام عالمى موحد تكون السيادة والسيطرة والهيمنة فيه لإسرائيل، عن طريق تدمير الشعوب ذاتيا ونشر الثقافات الدخيلة وتهيئة الأجواء للحروب الأهلية.
بعد العراق، جاء الدور على سوريا، وسهل لهم بشار المهمة بالمجازر والمذابح وبحور الدم، ليدخل مزبلة التاريخ كطاغية من نوع فريد، منح عدوه السلام وأعلن على شعبه الحرب، لم يطلق رصاصة واحدة لتحرير الجولان المحتلة طيلة 45 سنة، وفتح على مواطنيه النيران من كل أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة، وقتل بيديه من السوريين أضعاف أضعاف الذين استشهدوا فى الحروب ضد إسرائيل.
لكن تبقى مصر هى الهدف الثابت للمؤامرات الإسرائيلية خصوصاً بعد الثورة، وتتذرع بمزاعمها حول انهيار الأمن فى سيناء، وأنها تحولت إلى قاعدة لتنظيم القاعدة، رغم أن معظم الأسلحة التى تدخل سيناء تجىء من إسرائيل.. فهل نفيق من الغفوة ونوقف حروب التشكيك والتخوين والتكويش والصراع على كعكة السلطة التى لم تعد تساوى رغيف خبز مقددا، وهل يتركنا الإخوة فى حماس فى حالنا ويرفعون أيديهم وأرجلهم عن سيناء، لنتفرغ لبناء دولة قوية وصلبة تتحطم على صخورها أحلام بن جوريون ومؤامرات إسرائيل؟