سبحان مغير الأحوال..
فى الماضى وتحديدا منذ عام 77 ثم بداية عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك وتوجه مصر نحو سياسة الخصخصة فيما سمى إعادة هيكلة الاقتصاد المصرى والاتجاه نحو الاقتراض من صندوق النقد الدولى، كانت زيارات مسؤولى الصندوق وخاصة الدكتور عبدالشكور شعلان الذى يعرفه المصريون جيدا تواجه بعاصفة من الرفض لأنها كانت زيارات مشؤومة يترتب عنها نتائج يدفع ثمنها الغالبية الفقيرة من الشعب بسبب شروط الصندوق للمساعدة الفنية والمالية فى هيكلة وإصلاح الاقتصاد برفع الدعم عن السلع الغذائية والمحروقات.
الآن مصر تلهث خلف الصندوق وتحتفى بزيارة مسؤوليه منذ حكومة شرف بعد 25 يناير وحتى حكومة قنديل، وترحب وتفتح ذراعيها لرئيسة الصندوق كرستين لاجارد وسط استقبال حار على المستوى الرئاسى والحكومى بهدف حصول مصر على قرض بقيمة 3،2 مليار دولار من الصندوق قد يزيد إلى 4،8 مليار –بحسب تصريحات المتحدث باسم الرئاسة– فى حالة الاتفاق والموافقة على شروط الصندوق لدعم الاحتياطى النقدى للبنك المركزى.
فلماذا تغيرت الأحوال وهل مصر فى حاجة إلى قرض الصندوق وهل تضطر إلى الرضوخ لشروطه وأوامره؟
اللجوء إلى صندوق النقد الدولى ربما يأتى تحت ضغط الظروف الاقتصادية الصعبة التى يمر بها الاقتصاد المصرى والتراجع الحاد فى الاحتياطى النقدى بعد ثورة يناير والتأثيرات الاجتماعية الناجمة عنها فى ظل غياب الرؤية الواضحة لتوفير موارد مالية بديلة للاستغناء عن خدمات الصندوق وشروطه التى لا ترحم ولا تراعى ظروف ثورة أو مراحل انتقالية فى الدول التىa تطلب مساعدته.
خلاصة القول أن زيارة الصندوق «المشؤومة» الآن والمرحب بها ظاهرها المساعدة والدعم وباطنها شروط مجحفة تعصف بحياة الفقراء وتزيد من أعبائهم، فالصندوق له شروطه ومطالبه التى لا يتخلى عنها أبدا ولم يتنازل عنها منذ تأسيسه فى نهاية الأربعينيات من القرن الماضى، وخاصة مع الدول النامية.
لن يتبع صندوق النقد سياسات إنسانية جديدة من أجل عيون مصر الثورة ولا ينبغى أن ينخدع أحد بتصريحات مسؤوليه، لأن تجربة مصر منذ بدء التعاون مع الصندوق كانت فى غاية السوء، ولم يدفع ثمنها سوى قطاعات عريضة من الفقراء وهى التى فاقمت من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التى أدت فى النهاية إلى الحراك الثورى فى يناير.
مصر خاضت مع الصندوق 4 تجارب فرض خلالها شروطه المعروفة وكانت المحصلة آثارا اجتماعية واقتصادية خطيرة، أدت إلى زيادة نسب الفقر، وازدياد الهوة الاجتماعية بين طبقات المجتمع ثم أدت إلى الثورة. هذه الصورة ينبغى أن تكون ماثلة فى أذهان المتفاوضين والمرحبين بزيارة السيدة لاجارد.