فى منتصف إبريل من العام 2010، كتبت ملفا نشر فى «اليوم السابع» تحت عنوان «إعادة الاعتبار لسيد قطب» وعبر ثلاث صفحات استعرضت فكر سيد قطب، وقضيته الشهيرة التى حوكم فيها وأدين، فكان الإعدام نهاية هذا المفكر الكبير، قلت فى هذا الملف أن الأولى بالمحاكمة هو ثورة يوليو التى اعتقلته فى 1954 وعذبته وآذته فتحول من مفكر إلى مفجر، ومن مصلح إلى مكفر، وإن كان من الواجب علينا أن ندين التفجير والتكفير، فمن الأوجب أن ندين من يدفعون المفكرين المصلحين إلى الإيمان بالعنف بدلا من الإيمان بالكلمة.
وسيد قطب لمن لا يعرفه، هو أحد أقطاب الفكر الإخوانى وأحد الرموز المؤسسين لهذا التيار، بدأ حياته ناقداً أدبياً لامعاً وشاعراً رومانسياً حالما، كان يأمل فى أن يعيش فى ظل مجتمع حر حالم مثقف، فاصطدم بجبال من قسوة السلطة والمجتمع، فتحطمت آماله، ويبست أفكاره، ثم تحولت دعواه التى كانت تنشد الحب والخير والحرية إلى معاول هدم فى بنية المجتمع وأفكاره، وبعد أن كان يؤمن بالكلمة، آمن بالعنف وأسس التيار القطبى العسكرى داخل جماعة الإخوان، وترأس فريقا خطط لضرب العديد من المنشآت الحيوية المصرية مثل القناطر الخيرية، فضبطه رجال الثورة متلبسا، وحكمت عليه المحكمة بالإعدام فى 1966.
لم يمنعنى اختلافى الفكرى العميق مع قطب وجماعته من أن أنظر إليه باعتباره ضحية لثورة يوليو، وشهيد من شهداء الرأى، معتقداً أنه لم يكن ليتحول إلى هذا المصير المعوج إلا بعد معاناته من عنف السلطة تجاهه، منطلقا من قاعدة أنه لا يحق لأى حاكم أن يحاكم كاتبا أو مفكرا أو أن يعتقله أو يعذبه، وما إن نشر هذا الملف حتى انهال على الهجوم من كل التيارات الفكرية المدنية، فردت جريدة مستقلة بملف فى الاتجاه المضاد من طرحى، مؤكدة أن سيد قطب إرهابى يستحق الشنق، وأفردت جريدة تابعة لوزارة الثقافة صحفة أخرى، تناولت فكر العنف عند سيد قطب، ونشر فى «اليوم السابع» على مدار أسبوعين متتاليين صفحة للمفكر الإسلامى جمال البنا، يرد فيها على ما كتبت، وصفحة أخرى للكاتب السياسى عبدالرحيم على الذى سار على نفس المنوال، غير أنى بعد كل هذا الهجوم لم أزد إلا اقتناعا برأيى الذى لم أنصف فيه سيد قطب بقدر ما أنصفت الحرية، وانتميت إليها، واعتقادى الشخصى الذى مازلت أؤمن به، هو أنه لو لم تنتهج ثورة يوليو العنف مع سيد قطب لتغير مصيره، فقد كنت أرى - ولازلت - أن قطب بشخصيته العاطفية المنفعلة المتقلبة، كان من الممكن أن يهتدى إلى سواء السبيل إن تمتع بقدر من حرية الفكر، وعندى من الشواهد ما يؤيد وجهة نظرى، فقطب الذى كتب «معالم على الطريق»، بما فيه من عنف فكرى كبير، هو الذى بدأ حياته شاعرا وناقدا، وهو الذى كتب كتابه الشهير «العدالة الاجتماعية فى الإسلام» الذى تناول فيه بداية الرأسمالية الإسلامية على يد الصحابى عثمان ابن عفان، ونقدها نقدا لاذعا فكفره شيوخ السلفية، ما يدل على أنه كان فى تقلب دائم لا يصح معه أن نحاكمه كلما عدل من أفكاره أو غيرها، لأننا بهذه السياسة سنحاكمه على الفكرة وعكسها وهو الشىء الذى يقف فى طريق الفكر والإبداع ويحرمه من فضيلة التجدد والمراجعة والتصحيح.
ما يقرب من نصف قرن مر على إعدام سيد قطب، واعتلى الإخوان سدة الحكم، وما أراهم الآن باضطهادهم للمفكرين والصحفيين إلا متقمصين لأبشع ما كان بثورة يوليو، معترفين بأحقية ناصر فى إعدام سيد قطب، وموقعين على قرار إعدامه بأيديهم، ولو كان سيد قطب حيا لأعدموه، ذلك لأنهم لا يؤمنون بالحرية ولا يقدسون إلا تخبطهم، ففى أربعة عشر يوما، انتهكوا حرية التعبير ستة عشر انتهاكا بحسب تصريح جمال عيد مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان، وقد كنت أعتقد أن سبب تأخر الإخوان وانغلاقهم هو أنهم لا ينفتحون على الثقافات الأخرى، ولا يقرأون تاريخ الحركات السياسية والثقافية فى مصر والعالم، فاتضح أنهم لا يقرأون حتى تاريخهم، وما على الإخوان الآن بعد أن منعوا المقالات، وحبسوا الصحفيين، وأغلقوا القنوات، وصادروا الصحف، إلا الاعتراف بخطئهم فى محاربة جمال عبدالناصر، واعتذارهم له.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة