كل الذين ضحوا هم الذين خسروا ليبقى الحال أعجب مما كان عليه.. وكل ثورة وأنت طيب يا مواطن، وثوابك عظيم فى الآخرة، ولكنه شحيح فى الدنيا، لذلك لا مفر من الشحاتة واللف على الأبواب.. ولا أعرف لماذا جاءت علينا الثورة «بفِرة» فى الاقتراض وشراهة عجيبة فى لم المعونات وجمع المنح والتبرعات.. ورغم أن السلف تلف، فإنه أصبح لطيفا بعد أن تحول إلى «نقطة» نجمعها فى عرس الثورة حتى لا يموت الشعب الثائر من الجوع.. وما بين جمع الحسنات والصدقات، أو لم القروض والنقوط، نسى المسؤولون تماما أن يسألوا عن أموالنا المهربة إلى الخارج، وأموالنا المنهوبة فى الداخل.. وأثناء المرحلة النفخية الملقبة بالانتقالية كنا نصرخ يوميا فى الإعلام لنسأل عن تلك المليارات المسروقة والثروات المسلوبة.. ولم تخلُ الإجابة من «الهاء» أبداً «هنبعت وفد.. هنسأل السفارة.. هنهدد البنوك.. هنسافر كلنا هناك وهنرجع بكنز على بابا»، ويسافرون ليعودوا لنا بقرض قطرى، أو صدقة سعودى، أو حسنة من بلاد «فيحان».. طيب فين يا عم فلوسنا.. يقولك «جيه جيه».. وتمر الأيام وبعدها شهور، لتخرج علينا تصريحات دولية تؤكد أن المسؤولين فى مصر لم يتقدموا بأى طلبات لحصر ممتلكات أو أرصدة رجال النظام البائد بل حتى «مجبوش السيرة».. لنعود لنصرخ فى الصحف والفضائيات فيأتينا الرد سريعا بملحمة «السين».. «سنعمل على.. سنقوم بـ.. سنسعى لـ»، وإذا جمعنا بين الهاء والجيم والسين نخرج بكلمة «هجس» وهى كل ما حصلنا عليه حتى الآن.. مع تهديدات مستمرة منذ 25 يناير بأننا هنفلس ونجوع ونسف التراب.. وأنه لا سبيل لاستمرار الحياة بدون السلف من البلاد، ولم التبرعات من العباد حتى نحصل على فلوسنا التائهة فى بلاد الجليد، والتى لم نعدها حتى الآن، فالبعض يقول 80 مليار يورو، والبعض يقول 60 ونحن لم نرَ «ولا مليم».. وأتصور أنه لا وقت الآن لـ«الهجس» الحكومى، وعلى المسؤولين أن يتفرغوا لإعادة تلك الأموال بدلا من النهم المتزايد بالقروض الميسرة، والودائع الطويلة الأجل.. وليعلموا أن علينا أن «نمضغ» بهدوء حتى لا تنحشر القروض فى البلعوم كأيام مبارك.. لأن هرولتنا خلف خطط الإصلاح المكتوبة بالخارج كانت من أهم أسباب الإطاحة بالرئيس فى الداخل، وشروط القروض القديمة هى التى أدخلتنا فى متاهات الخصخصة، والمصمصة، وتعويم الجنيه وبلّه، وتحويل خدمات الحكومة إلى شركات قابضة تبيع الماء والهواء و«الحلبسة» للمواطنين.. ولم تخلُ الشروط من نزعات سياسية من فصيلة «حبوا إسرائيل»، أو نزعات طبقية من عينة «إلغوا الدعم واقتلوا الجائعين».. وقديما حكى لنا شكسبير عن المرابى الذى اشترط على «تاجر البندقية» أن يأخذ جزءا من لحمه لو لم يسترد قرضه.. ولم نفهم وظللنا لعشرات الأعوام ننزف، وللأسف يبدو أن التقطيع فينا سيستمر.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة