لا يتحدث أحد الآن عن خطة المائة يوم التى وعد الرئيس محمد مرسى بتنفيذها وقت أن كان مرشحا للرئاسة، فالجميع مشغولون بأشياء أخرى، ما بين مقاومة موجة التحرش، والسخرية من مليونية رفض الإخوان، والقرض المالى الذى وقعه مرسى، وأحداث سيناء المتعاقبة، وانتهاكات حرية الصحافة والتعبير المتكررة، وبرغم أنى لا أقلل من هذه المشكلات ولا حيويتها ولا أهميتها، لكنى أرى أن تلك المشكلات يجب ألا تغييب مراقبتنا لخطة المائة يوم، ذلك لأنها مؤشر لصدق الرئيس من عدمه، كما أنها اختبار صغير ومحدود من شأنه أن يبث الثقة فى نفوس الناس تجاه رئيسهم، أو نزعها، ومؤشر أيضا للنمو الاقتصادى المرتبط بالثقة فى الحكومة ورئيسها، كما تتجلى أهميته فى إظهار مدى اعتماد الرئيس على العلم فى برنامجه، فإن كان ما ذكره فى برنامجه علميا ومدروسا وفى بخطته، وإن كان عشوائيا ودعائيا فشل.
ما يضاعف من أهمية مراقبة خطة المائة يوم هو ما ينتويه الإخوان الآن من تمرير مادة بمسودة الدستور الجديد تسمح للرئيس بالبقاء فى منصبه بعد كتابة الدستور، وهو الشىء غير المنطقى «نظريا»، فمعروف أن الدستور هو عقد اجتماعى بين السلطة والشعب، فكيف تبقى السلطة فى مقاعدها بعد تغيير العقد، وتضيف مراقبة خطة المائة يوم سببا آخر فى بقاء الرئيس من عدمه، فربما تتغير القناعات «النظرية» إذا ما كان هناك «مصلحة» فى عدم الالتزام بها، فمن غير المنطقى أن أطالب بخلع الرئيس إذا كان ناجحا لمجرد أسباب نظرية، هذا إن نجح الرئيس فى الوفاء بتعهداته خلال المائة يوم، كما أنه من العبث أن أطالب ببقاء رئيس ومخالفة القاعدة النظرية التى تجبره على الرحيل بعد كتابة الدستور إن فشل فى الخطة التى وعدنا بتحقيقها.
ولعله من الواجب الآن أن نذكر بهذه الخطة التى ادعت أنها ستقضى على الانفلات الأمنى وأزمة المرور وأزمة الوقود وأزمة النظافة وأزمة الخبز، أضيف إلى هذا وعوده بعدم المساس بحرية التعبير وعدم ميله إلى التيار الدينى، وتشكيل مجلس رئاسى من التيارات الوطنية المستقلة وتولية الحكومة لشخصية وطنية غير محسوبة على التيار الديني، ولك أن تنظر فى الأحداث وتشاهد بعينك آثار هذه الخطة فى الشارع وفى السلطة لتحكم على خطة مرسى ومدى وفائه بها أو ببعضها بعد مرور ما يقرب من 60 يوما من هذه الخطة، أما أنا فسأختار البند الأول من الخطة لأتناوله، وهو القضاء على الانفلات الأمنى، وسأختار مشهدا واحدا للتدليل على ما وصل إليه هذا البند من الخطة، وهو مشهد اشتباك المتظاهرين أمام المنطقة الشمالية المركزية فى الإسكندرية بالأسلحة النارية والبيضاء، فى مظاهرة رفض الإخوان، وسط غياب تام للأمن فى كل الشوارع، وإذا أضفنا إلى هذا المشهد مشاهد التحرش الجنسى والهجوم على الأقسام والنقاط الشرطية لعرفنا أى تقدم وصلنا إليه على يد خطة المائة يوم.
على أية حال، فمازال فى الخطة أربعون يوما من الممكن أن تساهم تلك الأيام فى الوفاء بتعهدات مرسى أو تؤكد لنا فشله فى الوفاء بها، وبعد مرور هذه الأيام من الممكن أن نحكم على جدية الرئيس فى الوفاء بعهوده من عدمها، ووقتها فقط علينا أن نقرر إن كان مرسى يستحق أن نفصل له مادة فى الدستور ليبقى فى الحكم وأن نخالف كل القواعد السياسية النظرية التى تجبره على الرحيل، أم نقول: «ما يصح إلا الصحيح»، وننأى بدستورنا الجديد من شبه تفصيل المواد على الأشخاص.