تعانى النخب المدنية من حالة انفصام فى الشخصية وقصور فى الرؤية، وباستثناءات قليلة مثل التيار الشعبى أو بعض الأشخاص فإن الأحزاب والحركات التى نشأت بعد الثورة تحولت إلى أندية ثقافية وسياسية، تلعب لعبة الثورة نهارا وتحدث نفسها فى برامج التوك شو ليلا، فلا نقد ذاتى ولا مراجعة، «فالجيش والشعب إيد واحده» ثم بعدها بأسابيع «يسقط حكم العسكر»، يصلون خلف الإخوان ثم يهتفون «إخوان كاذبون»، يتنقلون بين الأحزاب والجبهات والمسميات دون خجل، اليسارى يؤيد الإخوانى بل وبعضهم وضع البرامج الرئاسية لأحد المرشحين الإسلاميين، والثوريون الآخرون توزعوا فى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية ما بين أحمد شفيق ومحمد مرسى ربما أفضلهم من قاطع، وهذا أضعف الإيمان، إذا كان هذا حال النخب المدنية الرئيسية فترى ماذا سوف يكون حال نخب الأقليات، وفى المقدمة منهم أبناء جلدتى أقصد «النخب القبطية»، فهى تساق كشاه للذبح بإرادتها، فى انتخابات الرئاسة راهنت بشكل أساسى وبطريقة «إيمانية» على رهان خاسر وهو أحمد شفيق وحولت أحمد شفيق إلى «قديس فلولى»، ثم راهنت تلك النخب على المجلس العسكرى ورأت فيهم «الخلاص»، وحينما قام الرئيس مرسى بتطبيق «نظرية الخروج الآمن للعسكر»، فقد بعض قادة النخب القبطية والمدنية توازنهم المبنى على التبعية للآخر، فلم يجدوا سوى طريقين لا ثالث لهما، إما الهرولة نحو الإخوان، أو ممارسة العالم الافتراضى الذى خلقه عكاشة وأبو حامد، دون روية أو رؤية أو تمهل.
من هنا جاء التناقض والانفصام فى الشخصية لتلك النخب الفاشلة، على سبيل المثال النخب القبطية تنادى ليل نهار «بالدولة المدنية»، ولكنها فى اللجنة التأسيسية لإعداد الدستور تتوافق مع السلفيين حول «الحق لغير المسلمين من المسيحيين واليهود فى اللجوء لشرائعهم فى...» فى إشارة انتهازية واضحة للاتفاق بين الضحايا والجلادين فى مواجهة البهائيين والشيعة.. إلخ، يهاجمون الإسلام السياسى ليل نهار لاستخدامه المساجد فى السياسة، وتفتح كنيسة السيدة العذراء بعزبة النخل بقيادة الكاهن الورع متياس نصر قلبها «لاستبن» شفيق ودبلير العسكر محمد أبوحامد!
ونفاجأ مع صعود الإخوان وما يتردد من عقدهم صفقة مع الأمريكان على تديين الربيع العربى، وأسلمة الحياة السياسية بعدة شخصيات محترمة من النخبة القبطية تشكل ما يسمى «جماعة الإخوان المسيحيين»، فى بادرة تحتاج لمحلل نفسى لكى نعرف لماذا تحب الضحية جلادها وتقتدى به إلى هذا الحد؟! وعلى الجانب الآخر يهتف قطاع كبير من النخب القبطية «يسقط حكم المرشد»، ويعلو صوت الآخرين ضد الأخونة، ونفاجأ بأنهم «يقبطنون» عدة منظمات وحركات سياسية - أى يحولونها لطائفية أو يجعلونها ذات مرجعية طائفية - ويعلنون ما يسمى بـ «المجلس الاستشارى القبطى»، دون أن يدروا أن المستفيد الأول والأخير من تلك المبادرات حسنة النوايا هو جماعة الإخوان المسلمين والحركة السلفية، لأنهم يشكلون معادلا موضوعيا لهم. ربى اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة