«التيار اليسارى فشل بسبب النفوذ اﻷجنبى والتمويل الخارجى والهاجس اﻷمنى والتشرذم والتفتت وإهمال دور الدين، بل احتقاره والنخبوية والتعالى على الشعب أبرز أسباب فشل اليسار».
هذا هو تصريح «واحد من الجماعة» الذين استنكروا المشاركة فى ثورة 25 يناير، التى كان شبابها يهتفون بالشعارات اليسارية المنحازة للناس وللفقراء «عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية» وكان تجار الدم وباعة دماء الشهداء، يهتفون فى مليونية قندهار «يا مشير أنت الأمير» مع حلفائهم المتسلطنين، فيما يستقبلون هم التمويل الخليجى والدولى فى الحقائب المخابراتية الخليجية لإنفاقها فى شراء الزيت والسكر والأرز انتظارا للانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة، فيما كان اليسار يتلقى مع رفاق الثورة نصيبه من رصاص وتشويه العسكر، الثورة التى خانتها وتآمرت عليها «الجماعة» فى 9 مارس و8 إبريل و27 يوليو وفى أحداث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء ومازالوا مستمرون فى الكذب والادعاء أنهم وحدهم الثورة، ونسى «واحد من الجماعة» أن اليسار مدرسة للوطنية ولم يعرف التمويل من الخارج، ومقاومة جميع أشكال القهر والاستبداد والفساد والفاشية الدينية والعسكرية، وأن جماعته هى صاحبة «إبداع» يسجل لها «بالتمويل الأجنبى لأنه على الأقل تنظيم دولى» بتقسيم المصريين لإخوان وإسلاميين ومسلمين ونصارى وكفار و«صاحبة اختراع» المسلم الباكستانى أقرب لهم من المسيحى المصرى، كما أنه يفترض أن يخجل من الحديث عن «النفوذ الأجنبى» الذين قبلوا يد الوهابيين، وأصدقاء الأمريكان، ومنفذو جريمة رهن مصر لصندوق النقد الدولى، وأصحاب شعار طز فى مصر، «وليته يدلنا على اسم يسارى واحد تلقى تمويلا من الخارج وكل وسائل الإعلام قد نشرت جرائمهم فى غسيل الأموال وشركات الاتصالات والتكنولوجيا المشبوهة»، وأتحدث الآن عما أعرفه شخصيا عن بعض الذين عرفتهم عن قرب من قيادات اليسار التاريخية الذين قاوموا «النفوذ الأجنبى» بشرف وقدموا التضحيات رفضا لـ«التمويل الأجنبى»، ولتكن البداية بالمسيحى النبيل «ميشيل كامل» عضو اللجنة المركزية والمكتب السياسى للحزب الشيوعى المصرى والذى عاصرته وعشت معه -دون أن أنتمى لتنظيمه- فى منفاه فى بيروت منذ سنة 1974 إلى أن غادر بيروت إلى باريس سنة 1977، حيث لعب ميشيل كامل خلال تلك السنوات دورا هاما فى حركة المعارضة المصرية ضد حكومة السادات «المقتول» وكان يحكى لنا نحن الشباب «حينها» من تلاميذه عن والده الطبيب، وكيف انضم لتنظيم «الشرارة» أحد التنظيمات المؤسسة للموجة الثانية من الحركة الشيوعية المصرية، وكيف اعتقل عقب الحرب العالمية الثانية، وكان لا يزال طالبا فى كلية الطب، اعتقل لأول مرة عام 1951 وفُصل من الجامعة، عقب إطلاق سراحه عاد إلى الجامعة لدراسة طب الأسنان وفصل للمرة الثانية بعد عامين بقرار من الحكومة، وأسس بعدها بالتعاون مع «لطفى الخولى» مجلة «الطليعة» الفكرية الشهرية التى تربى عليها جيل كامل من اليساريين «كله عمولة بلدى وبدون تمويل خارجى» وظل مديرا لتحريرها لخمس سنوات، وفى باريس أسس «ميشيل كامل» مجلة «اليسار العربى» التى تمتعت باحترام ونفوذ كبيرين وسط الآلاف من اليساريين والتقدميين المصريين والعرب، أما الدكتور إسماعيل صبرى عبدالله فهو واحد من أهم الرواد الاقتصاديين فى مصر، يعد رائد مدرسة فى التفكير الاقتصادى، حيث ترى هذه المدرسة المواءمة بين حقوق الفرد وحقوق المجتمع لتحقيق التنمية الاقتصادية والعمران البشرى، اعتمادا على الذات والقدرات والموارد الوطنية تجنبا لكل أنواع التبعية «فأين النفوذ الأجنبى أيها الكذاب؟»، تعرض للسجن فى عهد عبدالناصر مرتين، قضى فى الثانية نحو خمس سنوات من عام 1959 إلى 1964، تعرض خلالها للتعذيب، قام بتدريس علم الاقتصاد فى جامعتى الإسكندرية والقاهرة، وعكف فى سنواته الأخيرة على مشروع بحثى جبار يستشرف أحوال مصر عام 2020 من خلال منتدى العالم الثالث، وكان مشروع مصر 2020 من أبرز منجزات المنتدى فى السنوات 1997 إلى 2006، حيث بلغت إصداراته 24 كتابا فضلا عن عدد من الأوراق والكتيبات المهمة، وقد حشد للمشروع خبرات أكثر من ثلاثمائة باحث مصرى وعربى من مختلف الأجيال تشرفت أن أكون من ضمن الذين اختارهم بنفسه، والدكتور فؤاد مرسى، الذى ظل منخرطا فى العمل السرى وهو يعمل بالجامعة مدرسا وأستاذا مساعدا واعتقل ودخل السجن، حيث عذب الشيوعيون فيما بين نوفمبر 1959 ويونيو 1960 تعذيبا وحشيا وتم نفيهم إلى سجن الواحات فى أقصى جنوب مصر حتى أفرج عنه فى مايو 1964، وفى يناير 1972 عين وزيرا للتموين والتجارة الداخلية ثم قدم استقالته من الوزارة فى مارس 1973، وخاض العديد من المعارك إلى أن تم القبض عليه مع مجموعات المعارضة فى اعتقالات سبتمبر 1981 الشهيرة، واستمرت معاركه السياسية مع نظام مبارك حول الاتفاقات مع إسرائيل ورحل فى 13 سبتمبر 1990 إثر حادث سيارة، سوف أتفق مع «واحد من الجماعة» على «فشل» اليسار لكن ليس بسبب التمويل الخارجى، ويعرف الرجل أن «الجماعة» حققت «النجاح» بفضل ورعاية «التمويل الأجنبى» ومساعدة اليسار نفسه، وتاريخيا نجد أن بعض برامج اليسار «نجحت» فى لعب دور كبير فى رفع الوعى الشعبى وتعميقه، ولكن معظم الناس اختلط عليهم برنامج اليسار مع برنامج الناصرية وقد عملت هزيمة 1967 المدوية على غروب الناصرية وسقوط الاتحاد السوفييتى على زعزعة برامج الحركات اليسارية فتفشت فيها أمراض خطيرة منها «الانتقائية» و«التلقائية» و«الذيلية»، فكان بعض اليساريين يسيرون تبعا للتيار فى الشارع، فمثلا يلتحقون بالوفد على أساس أن للوفد جناحا يساريا، لهذا فإن الحركات اليسارية كان بعضها حركات «ذيلية» ولم تكن حركات مستقلة، حاولت أن تلتصق بالطبقة الوسطى الوطنية لأن تشكيلها من البداية يسير وسط الحركة الوطنية، وبالتدريج أصبح هناك انعزال بين اليسار والجماهير، وعندما جاء عبدالناصر كانت أفكاره بالفعل متقدمة جدا عن أفكار الحركة اليسارية فقد نزل عبدالناصر بالاشتراكية كهدف مباشر وتحول لحركة جماهيرية، أما اليسار فلم يترجم شعاراته لسلوك جماهيرى. ولنا عودة.