مثل كل تحرك سياسى خارجى أو داخلى، هناك رسائل تنطلق إلى الداخل والخارج. نقول هذا بمناسبة حديث الرئيس محمد مرسى فى افتتاح قمة عدم الانحياز بطهران، والذى يراه البعض معبراً عن رغبة مصرية فى لعب دور إقليمى يتناسب مع دور ومكانة مصر. تحدث الرئيس فى الدورة السادسة عشرة التى تنعقد فى طهران عن الحركة ودورها فى وضع أسس الاستقلال فى مواجهة الاستقطاب، وأكد أن هذه الحركة بدأت بمشاركة قوية من مصر بقيادة عبدالناصر، عابرا فجوة سياسية كرئيس لمصر الدولة.
مرسى تحدث أيضا عن ثورة يناير ودور الجيش فى حمايتها، وهو بهذا يحسم وجهة نظر الدولة فى دور الجيش، مختلفا عن اتجاهات تختلف مع هذه الرؤية، وربما يجيب من طرف آخر عن سؤال حول مصير المشير وعنان اللذين مثلا الجيش ودوره فى فترة الثورة.
يفترض النظر إلى كلمة الرئيس بعيدا عن الخلافات مع جماعة الإخوان، فهو يعبر فجوات أيديولوجية وسياسية، ويكسب أرضا بين خصوم الجماعة، ويفترض التعامل معه بدون تهوين أو تهويل، وقراءة خطابه كرئيس دولة، والتعامل مع ما يطرحه من منظور الرؤية الوطنية، وهو بالفعل يعبر عن جزء من مطالب وطنية فى الحديث عن الاستقلال ودور مصر.
حركة عدم الانحياز كانت أحد تجليات مد الاستقلال الوطنى بحثا عن طريق يبتعد عن صراعات الاستقطاب الدولى، تأسست بعد الحرب العالمية الثانية للابتعاد عن أقطاب الحرب الباردة بين أمريكا والناتو، والسوفييت ووارسو، من 29 دولة، بمؤتمر باندونج 1955، بأفكار نهرو وعبدالناصر وتيتو. وتم الإعلان عن «مبادئ باندونج العشرة» للعلاقات بين الدول. انعقد المؤتمر الأول فى بلجراد عام 1961، وتوالت المؤتمرات حتى المؤتمر الأخير بطهران. ووصل عدد الأعضاء إلى 118 دولة. دعمت الحركة نضال شعوب أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية من أجل الاستقلال، وحق تقرير المصير، والاستقلال الوطنى ورفضت العنصرية والتكتلات، والاستعمار القديم والجديد.
اليوم تحتاج دول العالم الثالث إلى دعم الاستقلال، والتمايز عن الخطط والتحركات للدول الكبرى. وبعد ثورات الربيع العربى هناك مساع من الدول الكبرى لإعادة صياغة العالم والشرق الأوسط بما يناسب مصالحها، فى ظل عولمة اقتصادية ترى العالم سوقا ومصدرا للخامات. وقد واجهت عدم الانحياز تعثرات مختلفة، وخفت بريقها. بالرغم من انعقادها على مدى العقود المختلفة.
وترتبط استعادة دور عدم الانحياز بمدى القدرة على توظيف الدور الإقليمى والدولى داخليا، وأن تترجم المساعى الدولية إلى خطوات داخلية، فالزيارة التى قام بها الرئيس للصين، ثم عدم الانحياز، يتوقع أن تترجم إلى مصالح، فضلا على كونها تبحث عن دور فى مواجهة نظام أحادى القطبية على رأسه أمريكا، فى ظل ارتباك إقليمى ودولى، وتضارب فى المصالح والتحركات.
ومواجهة هذا الوضع باستقلال يستلزم إعادة بناء العلاقات، والارتباط بحركات إقليمية جماعية. وكأن مصر تستعيد فى القرن الواحد والعشرين ما بدأته فى منتصف القرن الماضى. هى رسائل مهمة للداخل والخارج.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة