الشاعر هو طفل العالم الذى لا يشيخ، يحمل من الأطفال السذاجة والبراءة والصراحة والقوة والعنفوان والنصاعة والدهشة والاندهاش، يبتكر لغته من نفسه وبنفسه، وينحتها لتصير إياه ويصير إياها، يحتفظ بمسحة ربانية تغترف الإيمان من منبعه، وتتزيا بروح النبوة المتأرجحة بين جسارة السؤال ووهن الإجابة، عرف البشر الكثير من أنواع الشعراء، هناك الشاعر الحكيم وهناك الشاعر الرومانسى وهناك الشاعر الحماسى، وهناك الشاعر «المناسباتى» وهناك الشاعر «القضية» وهناك الشاعر المجدد، وهناك الشاعر العالم، وهناك القليلون الذين يجمعون بين كل أغراض الشعر وآلياته، وهم «الشعراء الشعراء» الذين لا ينتسبون إلا للشعر، ولا يعرفون إلا إياه، ولا يتصورون العالم بدونه، فيصبح الشعر نافذتهم على العالم، ثم يصبح هو العالم فى نافذة.
إلى هذه النوعية الفريدة من الشعراء يسير الشاعر الشاب وائل فتحى، الذى إن رأيته وسمعت صوته فستشك فى أن الله قد متعه بخاصية الكلام، وستحسب فى بادئ الأمر أنه يعانى من مشكلة فى أحباله الصوتية لا تجعله منطلقا فى حديثه ولا تمكنه من أن يرفع صوته فى الكلام، حتى إذا ما رأيته يلقى الشعر فوجئت بقوة الصوت وجسارة الطرح وعمق الرؤية وبراءة السؤال، وكأنه لا يعيش إلا للشعر أو أنه استخسر صوته فى أن يعلو إلا فى إلقاء القصائد أو الهتاف فى المظاهرات بـ«ميدان التحرير» لكن «وائل» برغم ثوريته وحماسته لا يجعل «صوت القصيدة» زاعقا، وينأى بنفسه دائما عن كتابة الشعر الحماسى أو الثورى وحتى إذا ما أراد أن يتناول قضية جماهيرية «ما» لا يستسهل تناول قشرتها الخارجية ومظاهرها المباشرة، لكنه يبحر فى عمق القضية الإنسانى ليستخلص الجوهر الذى لا يتغير فيكتسب شعره عمقا وديمومة.
لوائل ديوان قديم نشره منذ سنوات بعنوان «أحلام شكك» خط لنفسه فيه طريقا إلى الشعر الحقيقى، وفى طريقه الآن لإصدار ديوانه الثانى الذى نشر منه بعض القصائد كان آخرها قصيدة «صلوا عرايا» المنشورة منذ أيام فى موقع جريدة البديل التى يدعو فيها «الإنسانية» إلى الرجوع إلى مرحلة التطهر والتجرد والإيمان بالمثل العليا بلا رتوش أو زيف، قائلا فى بدايتها: ممكن نصلى عرايا...؟ ممكن..؟
وقتها.. ممكن مؤرخ – معتدل -
ما يهمهوش من رصد أحداث الحياة.. غير الحياة،
ينشغل باللحظة.. ينسى الجاى
ويكتب المشهد بتفصيل .. مستفز
كأنه دودة قز
ها تمل من غزل الحرير..
وتكتشف أنها ..عريانة بالفطرة،
وتكر خيط ورا خيط.. ورا خيط
وينهار التاريخ عريان..
وهنا يبدو التعرى وسيلة من وسائل الرجوع إلى فطرة البشرية الصافية، وآلية لنزع موبقات التاريخ من فوق أكتافنا، ليستعيد البشر فضيلة التطهر المقرونة بالطفولة البدائية كما يقول لكنها ليست طفولة عادية وإنما طفولة مقرونة بمعجزة تتشابه مع معجزة ميلاد نبى الله يحيى فيقول فتحى:
«صلوا عرايا.. كضفر خارج من صميم اللحم
أو زى عاقر خلفت فتيان عرايا
مزقوا الرحم الوسيع.. وكدبوا الأنساب»
ليصل فى النهاية إلى التبشير بعاقبة الصلاة العارية وهى الاستعداد لاستقبال البشارة بمولود ثائر يغير المفاهيم ويمهد الأرض للطهر الحقيقى فيقول «مافيش مبرر تنكروه.. فاتبعوه
انتوا: الأمم سابقة،
هو: البشر جايين،
انتوا: الكلام مستقر
وبحث عن سر انكشف لما بقى اسمه «السر»
انتوا: الكلام كله – الكلام كله-
جواب من الماضى عن الماضى
هو : المحاولة والسؤال ماضى
فى طريق ما خاطرش على بالكم
فاتبعوه..
اتبعوه
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة