محمد الدسوقى رشدى

مرسى من «التوك توك» إلى طهران

الجمعة، 31 أغسطس 2012 07:39 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الفرق بين الخطاب الأول لمحمد مرسى وخطابه الأخير فى طهران، كما الفرق بين التوك توك بطل خطابه الأول، والطائرة التى وصلت به إلى حيث مقر إلقاء الخطاب الأخير.

الخطاب الأول كان يشبه نشرة مرتجلة لتلميذ مرتبك ضمن فقرات الإذاعة المدرسية ليوم طقسه بارد، أما الخطاب الأخير فقد بدا فيه مرسى رجلا يدرك يعرف ما الذى يريد قوله، ويدرك أن أهم ما فى الخطابات الرئاسية هو إرضاء أكبر كم ممكن من الأطراف عبر كلمات مغلفة بورق الحسم والحماس البراق.

الحقيقة الثابتة فى خطاب مرسى أمام قمة دول عدم الانحياز المنعقدة فى إيران هى دماء السلطة التى بدأت تسرى داخل عروقه، وتمنحه شكلا خاصا، وأداء يوحى للجميع بقوة، ربما لا يكون نصفها موجودا فى الواقع. والحقيقة التالية لما هو مثبت أن خطاب مرسى فى طهران كان متماسكا سياسيا، ويعبر بشكل جيد عن دولة فى حجم مصر، ولكن أهم من التماسك السياسى كانت لمسة «الكيد» التى أضافها الرئيس المصرى لخطابه الذى كان منتظرا لتوضيح معالم زيارة ثار حولها جدل لكونها الأولى لرئيس مصرى إلى بلاد فارس بعد جفاء طويل.

اللمحة الكيدية فى خطاب مرسى، والتى ظهرت فى افتتاح الخطاب بالصلاة والسلام على الرسول عليه الصلاة والسلام، والثناء على الخلفاء الراشدين أبوبكر وعمر وعثمان وعلى وباقى الصحابة أجمعين، هى التى منحت الخطاب القوة والشهرة فى شوارع مصر، وفى ميادين دول الخليج.

وتفاعل الناس مع تلك اللمحة الكيدية بتنوع ما بين بعض اعتبرها حركة ذكية، وبعض آخر اعتبرها رسالة مبطنة للجانب الإيرانى بأن التقارب المصرى الإيرانى لن يكون أبدا على حساب المذهب السنى. وعلى المستوى السياسى كان الفعل الكيدى محاولة لطمأنة دول الخليج من الزيارة التى خشى البعض أنها قد تفتح بابا لعلاقات مع إيران على حساب دول الخليج التى تدور فى بحر المشاكل مع طهران منذ فترة.

مرسى نجح فى اختيار ما يستهل به خطابه داخل العاصمة الإيرانية بلا شك، وأكمل نجاحه حينما طرق باب القضية الثورية أكثر من مرة، حينما وصف نظام بشار بالقمعى، وأكد حق الشعب السورى فى تقرير مصيره، وكان غريبا أن ينتظر البعض من مرسى أو أى شخص آخر فعلا أكثر من الاعتراف بالثورة السورية، وإدانة بشار على الأرض التى تسانده بقوة.
وبعيدا عن الكيد السياسى الذى استخدمه مرسى، وكأنه يرد على من اعتبروا موافقته على زيارة إيران موافقة ضمنية على تسيدها المنطقة، فإن تعمد مرسى تقديم التحية والتقدير لجمال عبدالناصر ودوره السياسى كان فعلا مقبولا لتدارك خطأ الهجوم على الستينيات فى خطاب التحرير الشهير.

هى كما قلت فى البداية محاولة لإرضاء جميع الأطراف، ولكنها فى النهاية محاولة تستحق التقدير، ويمكنك من خلالها أن ترصد آثار تدفق دماء السلطة فى عروق الرئيس الجديد، وهو تدفق من النوع الذى يدفع صاحبه لمداعبة عواطف المواطنين فى الشوارع، والإيحاء ببطولات يصنعها مجرد تصريح هنا، أو تعليق هناك.

الدرس المستفاد من خطاب مرسى فى إيران يكمن فى ضرورة إعادة صياغة طريقة التعامل مع الرئيس المصرى، سواء كان اسمه مرسى أو أحمد أو حسين، مصر الآن فى حاجة إلى صيغة جديدة للتعامل مع رئيسها، صيغة لا تعرف القوالب الجامدة وتسمح للرئيس بالحصول على حقه من التقدير مع الفعل الصواب، وتمنعه من طلب الشكر على القيام بواجباته التى تنص عليها الدساتير والقوانين، لأنه لا شكر على واجب، كما تمنعه من الامتعاض أو الغضب من انتقاد أفعاله وتحركاته الخاطئة طبقا لوجهات نظر الآخرين.. مصر دخلت عصر الرؤساء الذين يأتون ويرحلون، ولم يعد هناك مجال للرئيس الأبدى.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة