عجيب وغريب أمرنا جميعاً، وليس فقط حزب الحرية والعدالة، فقد استقبلنا الدكتور كمال الجنزورى بهجوم سابق التجهيز، واليوم نرى اعترافا بأفضاله وإخلاصه. خرج الدكتور عصام العريان قائد حزب الحرية والعدالة ليبرر اختيار الرئيس مرسى للجنزورى مستشاراً، وتكريمه ويقول إن الجنزورى اضطهد فى عهد مبارك. هو نفسه الرجل الذى نظم الإخوان مليونية لإقالته، واتهموه بأنه يتآمر على مجلس الشعب، وأنه هدد الكتاتنى رئيس مجلس الشعب «المحلول» بأن قرار حل مجلس الشعب فى الدرج.
رأينا من بين زعامات الجماعة من قالوا إن الجنزورى هو رئيس الدولة العميقة التى تتآمر على الجماعة والبلد وتصنع الأزمات، أو أنه حصان طروادة الذى تم زرعه للقضاء على الجماعة، وفجأة عادوا ليعترفوا بفضله وإنجازاته.
والحقيقة أن أى شخص منصف يجب أن يعترف بأن الدكتور الجنزورى هو أكثر رئيس وزراء تعرض للهجوم حتى قبل أن يتولى مهمته، كل الأطراف ناصبته العداء، وقالوا أنه قادم من المخزن، ونظم متظاهرون اعتصاماً ومليونيات لإقالته قبل أن يتولى مهام منصبه، ومن المفارقات أن الجنزورى كان من المغضوب عليهم فى عهد مبارك، وجد نفسه مصنفا على أنه فلول، وهى تهمة أصبح كل من هب يستخدمها فى أى خلاف، مع أن الكل يعرف أن الجنزورى أطيح به فى عهد مبارك.
الرجل وهو فى هذه السن التى كانت مثار سخرية ومعايرة، اشتغل فى أسوأ الظروف، ونجح فى حل بعض المشكلات ولم يتلق شكرا. مجلس الشعب طلع فيه «القطط الفاطسة»، واتهمه بأنه وراء كل ما يجرى من أزمات، وأنه يتآمر على الجماعة والمجلس، ثم بعد كل هذا يكرمه الرئيس مرسى، وبالقطع اطلع الرئيس على ما فعله الرجل، واعترف بفضله، واختاره مستشارا ليستفيد بخبراته.
معنى الاعتراف بأفضال الدكتور الجنزورى، أن كل الاتهامات التى وجهتها له الجماعة ونوابها وبرلمانها، لم تكن صحيحة، وأن الحديث عن الدولة العميقة التى تحارب مشروع النهضة، هو كلام فارغ، وإذا كانت هناك دولة عميقة فهى دولة الموظفين التى أدارت الكهرباء والمياه أيام لم تكن هناك حكومة ولا رئيس، وليست البيروقراطية كلها شر.
لكن الجموع أحيانا تصنع مواقفها بالإيحاء، أن يخرج بعض المشاهير فى التوك شو وفيس بوك وتويتر ليهاجموا فلانا، كل الهجمات تتجه إليه. تكرر هذا فى الكثير من المواقف، كانت تتم بالشحن العاطفى، الذى تصنع أغلبه نخبة تفتش عن مصلحتها، وبعض الذين هاجموا الجنزورى كانوا يريدون موقعه، ونفس الأمر مع هشام قنديل، حيث بدأ المشتاقون و«النهازون» حملات الهجوم سابقة التجهيز.
من حق الدكتور كمال الجنزورى أن نقول له أنه عمل فى وقت صعب، وكان يمكنه فى هذا العمر أن يبتعد عن وجع الدماغ، لكنه أدى ما عليه، أصاب وأخطأ لكنه كان مخلصاً، ولهذا استحق اعتراف الشعب قبل تكريم الرئيس، فالجنزورى زعيم الدولة العميقة، التى تعمل فى أصعب الظروف.