أسهل شىء هو أن نعلق مذبحة رفح على شماعة إسرائيل، وأن نكشف مخططاتها الرامية إلى إعادة احتلال أجزاء من سيناء، وأن نتهمها بمحاولة إفساد العلاقات المصرية الفلسطينية، وحرق التقارب بين الرئيس مرسى وقادة حماس، وأن ندينها ونشجبها وغير ذلك من المبررات الجاهزة التى اعتدنا أن نستحضرها فى المواقف المشابهة، رغم أننا نعلم جيدا أنه كلام قديم ومكرر ومعاد ولا يقدم أو يؤخر، فمن الطبيعى أن تكون إسرائيل كذلك وتدبر لمصر المكائد والمؤامرات وتضمر لها الشر، وإن لم تفعل ذلك لا تكون إسرائيل التى ما زالت تشكل الخطرالأكبر للأمن القومى المصرى.
أسهل شىء هو شماعة إسرائيل، فهى تريح مختلف الأطراف من عناء البحث عن الفاعل الأصلى للجريمة، وتقدم وجبة مجانية من الهجوم الحماسى الذى يمتص غضب الجماهير، ولكن ماذا عن حماس ودورها فى الواقع الأليم للأوضاع الأمنية فى سيناء التى أصبحت مستوطنة للعديد من الميليشيات والجماعات والتنظيمات الإرهابية، ويقول قادتها كلاما معسولا فى حق مصر الدولة الأم والزعيمة وقائدة الأمة العربية، بينما تصرفاتهم على أرض الواقع تثير الكثير من علامات الاستفهام والريب والشكوك.
أقول لقادة حماس ومؤيديها، إن دماء الشهداء تنتظر الثأر وليس الاعتذار، تنتظر عدالة الأرض والسماء وليس تقديم خالص التعازى، تنتظر تقديم القتلة للعدالة وليس إخفاءهم وتهريبهم، تنتظر التعاون الصادق مع السلطات المصرية لتطهير سيناء وليس المناورة والمراوغة وطمس الحقائق، تنتظر أن تبرئوا ساحتكم بالأفعال وليس بالخطب.. ويعز علينا أن عناصر ملثمة من التكفير والهجرة والجهاد الإسلامى كانوا يرقصون بالقرب من مقاركم، ويطلقون الرصاص ابتهاجاً بهذا النصر العظيم على "جند فرعون" ولم تحركوا ساكنا.. ومن هم جند فرعون؟.. إنهم شهداؤنا الأبرار الذين قتلوا غدراً وقت الإفطار، وهم يقولون "اللهم إنى لك صمت وعلى رزقك أفطرت".
أقول لقادة حماس، إننا واثقون أن أصابع إسرائيل القذرة هى التى ترسم وتخطط وتترك التنفيذ لتنظيمات إرهابية تخترقها وتجند عناصرها، لتتخذ من ذلك ذريعة للمطالبة بإعادة ترتيب الأوضاع الأمنية واقتطاع منطقة عازلة فى سيناء، نحن نفهم ذلك وندرك أبعاده وقواتنا المسلحة على أهبة الاستعداد للردع والمواجهة.. ولكن كثير من التصرفات والمواقف الحمساوية الغامضة تؤدى إلى نفس النتيجة، وتحرك فى نفوسنا ترسانة من الريب والشكوك وعلى سبيل المثال لا الحصر:
أولا: لماذا أصرت حماس على استمرار الأنفاق رغم فتح معبر رفح لأكثر من 12 ساعة يوميا، وعلى مدار الأسبوع، وتأكدها أنها تستخدم فى تهريب الأسلحة والمخدرات والبشر والسيارات المسروقة والمحكوم عليهم والإرهابيين؟.. ولا أدرى كيف أغلقت السلطات المصرية ملف السجناء الذين تم تهريبهم من السجون المصرية التى تم اقتحامها إبان الثورة وتهريبهم عبر الأنفاق، ولا لمصلحة من تظل التحقيقات سرية للغاية وحبيسة الأدراج، مما يشجع على استمرار امتهان السيادة الوطنية والاجتراء على أمن واستقرار هذا الوطن.
ثانياً: أين هى ترسانات الأسلحة الثقيلة والصواريخ والمدافع التى تم تهريبها إلى سيناء من ليبيا والسودان، وهل هى لعمليات فدائية ضد إسرائيل بقصد توريط مصر فى حرب على غرار نكسة 67، أم للقيام بعمليات إرهابية فى الداخل على غرار ما كان يحدث فى التسعينيات؟.. وأين حماس من ذلك وهى التى تحكم قبضتها على غزة وتدير منظومة جميع التنظيمات حتى التى تتبرأ منها علنا وترعاها سراً؟
ثالثا: لم يصدر عن حماس وقادتها بيان واحد يدين تفجير خط الغاز المصرى فى سيناء حتى بعد وقف تصدير الغاز المصرى إلى إسرائيل، ولم تبد حماس أى بادرة إيجابية للتعاون مع السلطات المصرية وتقديم المعلومات التى تساعد فى القبض على الجناة، وترمى بالكرة دائما فى الملعب المصرى وتقول قدموا لنا أسماء المتهمين لنقدمهم لمحاكمات قانونية، وغيرها من الذرائع التى تستهدف المماطلة والتسويف، مع أن بعض المعلومات تؤكد أن الجناة يهربون إلى غزة عبر الأنفاق التى تهيمن عليها حماس.
رابعا: ماذا يقصد إسماعيل هنية بالضبط حين قال من فوق منبر الأزهر فى زيارته الأخيرة لمصر إن "مصر هى قائدة الأمة العربية ولن تتحرر فلسطين إلا من خلال مصر"، وإذا أضفنا لذلك كلام صفوت حجازى حول مليونية الزحف المقدس لتحرير الأقصى والقضاء على إسرائيل، وإقامة الخلافة الإسلامية وعاصمتها القدس ومصر إحدى ولاياتها، بجانب تصريحات إخوانية حمساوية تدور فى نفس الإطار، فمن حقنا أن نتساءل: هل هو كلام للاستهلاك الجماهيرى أم رسائل لجماعات وتنظيمات متشددة للتصعيد والتسخين والتعجيل بالصدام مع إسرائيل، فتجد مصر نفسها فى صراع إقليمى جديد هى فى غنى عنه؟
أسهل شىء أن نعلق دماء شهدائنا الأبرار فى رقبة إسرائيل، ولكننا بهذا الشكل نهدر أرواحهم ونفرط فى ثأرهم ونترك الفاعل الأصلى ينعم بجريمته.. انتظاراً لوقوع جريمة أخرى خسيسة.