أثارت وسائل الإعلام الإيرانية ردود أفعال المترجمين المصريين، بعد قيامها بتحريف تصريحات الرئيس المصرى الدكتور محمد مرسى فى قمة عدم الانحياز، حينما قامت بتحريف خطاب "مرسى" الداعم لثورة سوريا وغيروا فى معانيه، ليبدو وكأنه يدعم ثورة البحرين! وبدلاً من تأييده للمعارضة السورية أظهروا الخطاب وكأنه دعوة لإصلاحات نظام بشار الأسد.
وأوضح عدد من المترجمين أن ما فعلته وسائل الإعلام الإيرانية لا يختلف كثيرًا عما تفعله إسرائيل باستخدام الترجمة لأهدافها ومصالحها السياسية، وقيامها على سبيل المثال، بتحريف مسرحية "تاجر البندقية" لشكسبير، حيث يصور فيها الشخصيتين الأساسيتين، شخصية اليهودى المرابى، نموذج للشر، وشخصية المسيحى الطيب، فعند ترجمتهم لهذه المسرحية إلى العبرية، قاموا بتغيير أنماط الشخصيتين، ومنحوا كل صفات الطيبة لليهودى، والشريرة للمسيحى، حتى يصل إلى القارئ العبرى أن العالم يرى الإسرائيلى واليهودى بنفس النظرة التى يريدها الساسة أن تصل إليهم.
وأكد الدكتور والمترجم جمال التلاوى، نائب رئيس اتحاد كتاب مصر، فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع" أن الترجمة الفورية لها قواعد وأصول متعارف عليها بين المتخصصين، ولا يحق للمترجم أن يضيف أو أن يحذف من النص الأصلى وليس له أى يجتهد فيما يخل المعنى الأصلى، وأن حرية المترجم هى مرونته فى التعامل مع النص الأصلى، تتعلق فى أسلوب الذى يختاره إلى اللغة المترجم إليها، من حيث تقطيع جملة طويلة إلى جمل قصيرة، أو العكس، أو التقريب معنى استعارى أو دلالى من اللغة الأصلية إلى اللغة المترجم لها، وهذا ما يحدث عادة، وأنه فى كل الأحوال لا يحق للمترجم تغيير المعنى المقصود.
وأشار "التلاوى" إلى أن هناك بعض التخصصات لا يمكن فيها الاجتهاد، مثل الترجمات الإحصائية، والتقارير الطبية، والمعاهدات والتقارير والخطب السياسية، وكل ما من شأنه أن يكون الاجتهاد فيه يسبب تغييرًا يؤدى إلى تعبات ومسئوليات، وهناك عدد من نظريات الترجمة تنظم هذا العمل، فمثلاً الترجمة التواصلية، هى الأنسب فى سياق الخطاب السياسى، حيث يكون المترجم ملتزمًا وقريبًا من النص الأصلى، فى حين أن نظرية الترجمة الدلالية، والتى يكون للمترجم فيها حرية كبيرة ومرونة فى التعامل مع النص هى الأنسب للنصوص الأدبية والشعر خاصة، لأن المترجم يكون فيها أقرب إلى لغة النص المترجم إليه.
وقال نائب رئيس اتحاد كتاب مصر، إن ما حدث فى الترجمة الفارسية لخطاب الرئيس الدكتور محمد مرسى، هو خروج على قواعد الترجمة، مضيفًا، ولا أتصور أنه خطأ فى الفهم من قبل المترجم، ولا خطأ دلالى لدى المتلقى، وإنما هو توجيه مقصود، من المترجم لتغيير المعنى والدلالة المقصودة، من خطاب "مرسى"، وهو تدخل سافر يقصد معنى سياسيا معينا، وهو فى قواعد الترجمة خيانة من المترجم، للنص الأصلى، ومثل هذه الخيانة تعرض المترجم والمؤسسة التى ينتمى إليها إلى طائلة القانون.
وأشار "التلاوى" إن ما حدث مع "مرسى" سبق وأن حدث فى النصوص الأدبية لدى المترجمين الإسرائيليين، عندما قدم أحدهم وهو "إيفين زوهار" نظرية للترجمة اسمها "متعددة الأبعاد أو البدائل" والتى قام على أثرها المترجمون – الصهاينة – بنقل وترجمة كثير من النصوص الأدبية من التراث العالمى إلى العبرية، متدخلين بالحذف أو الإضافة، أو الاستبدال من النص الأصلى للنص العبرى حسب قواعد النظرية المترجم إليها، وقد كان الهدف هو تقديم نصوص موجهة توصل أفكار وثقافة معينة للقارئ العبرى، وبالتالى فإن ما تم مع خطاب "مرسى" خيانة أدبية وسياسية وجريمة لا ينبغى السكوت عليها، لأنها قد تؤدى إلى أزمات سياسية ودبلوماسية مع إخواننا العرب فى الخليج والبحرين.
وقال الشاعر والمترجم رفعت سلام إن التحريف فى التصريحات السياسية إلى مشاكل كبرى، وخلط وارتباك فى تحديد المواقف، من حيث التعمد الواضح من عدم ترجمة ما يعلن وتحويل النص إلى ما يتوافق مع الموقف السياسى للمترجم، وبالتالى تصبح النتيجة تعبيرًا عن المترجم وليس صاحب التصريح الأصلى، وفى هذه الحالة من يعتمد على الترجمة سيرتبك موقفه واستقباله وهى حالة نادرة فى المجال السياسى الدولى، لأننى لم أسمع بها من قبل، فالعادة أن المترجم يقوم بترجمة ما يقال بالضبط، مهما كان تطرف الحديث، لأنه لا يعبر عن نفسه بقدر ما يعبر عن موقف المتكلم، وتلك هى وظيفة المترجم، إما أن يقوم بتحريف الحديث بحيث يتوافق مع موقفه السياسى هو، فهى حادثة جديدة فى السياسية الدولية.
وقال "سلام" نحن أمام وضع سياسى والمترجم هنا موظف، لدى الرئاسة الإيرانية، وقام بعملية التحريف عمدًا لتتوافق مع السياسية الخارجية الإيرانية المعلنة، ولعل ذلك هو سبب فى أننا لم نر أى موقف على أحمدى نجاد أو تعبير سلبى خلال إلقاء "مرسى" للخطاب، وهو ما يعنى أنه كانت هناك سياسة مسبقة لتحريف النص، خاصة وأن اللغة العربية منتشرة لدى الإيرانيين ويتكلم بها الكثير من القادة، وأن المدهش أنه لم يحدث من قبل أن مترجمًا تلاعب فى خطاب رئيس دولة.
وقال الدكتور أحمد عتمان، مقرر لجنة الترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة، أنه فى كثير من الحالات يحدث خطأ فى الترجمة الفورية مع الرؤساء ولكن بدون تعمد، ولكن ما حدث مع "مرسى" يدل على أنه متعمد لأن ثقافتهم الدينية تجعلهم يخضعون كل شىء لمفاهيمهم، وبالتالى كانت لديهم رغبة فى أن يترجموا على أهوائهم، ليعكسوا بذلك ثقافتهم ورؤيتهم، وليكون "مرسى" متفقًا مع أهوائهم، وكان الهدف من التعمد هو سياسى وخاصة فى الحديث عن البحرين لأن إيران متورطة فيما يحدث هناك، وخيانة الترجمة السياسية تخلق مشكلات كثيرة، ولكنها جائزة فى الترجمة الإبداعية.
مترجمون يرصدون جرائم الترجمة فى الأدب والسياسية: إيران تسير على خطى إسرائيل.. الدولة العبرية حرفت مسرحية شكسبير "تاجر البندقية" وجعلت اليهودى الشرير رجلاً طيباً.. والدولة الفارسية حرفت خطاب "مرسى"
السبت، 01 سبتمبر 2012 02:16 م
الرئيس المصرى محمد مرسى
كتب بلال رمضان
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة