مرسى فى إيران بعد انقطاع دام خمسة وثلاثين عاما، سلم الرئيس المصرى المدنى الجديد رئاسة قمة عدم الانحياز السادسة عشرة للرئيس الإيرانى أحمدى نجاد، نحن هنا أمام تحول كبير وهام فى السياسة الخارجية المصرية، وكما هو معلوم فإن الشعب المصرى وقواه السياسية خاصة التيارات الإسلامية مع الثورة السورية، وقد سجلوا اعتراضاتهم على الزيارة إلى إيران باعتبارها الداعم الرئيسى لنظام بشار القمعى، بيد أن الرئيس فى كلمته أمام قمة عدم الانحياز أشار بوضوح إلى أن الموقف من الثورة السورية ونصرتها ووقف الدماء المراقة يوميا هو موقف أخلاقى، وأعلن دعمه الكامل لطلاب الحرية فى سوريا، كما أعلن التزامه بوحدة أراضى سوريا وعدم تمزيقها ومنع وقوع حرب أهلية على أراضيها.
فى مؤتمر دولة عدم الانحياز يشارك أكثر من ثلاثين دولة وتضم المنظمة فى عضويتها أكثر من مائة وعشرين دولة، وكان موقف الرئيس صحيحا فى ترجيح حضوره لتلك القمة ليبنى حوارا مع إيران حول حلول للمعضلة السورية، وهناك بالفعل مبادرة تقودها مصر لحل الأزمة السورية من خلال لجنة رباعية تضم كلا من إيران والسعودية وتركيا وتسعى هذه اللجنة إلى طرح حل أقرب للحل اليمنى يضمن خروجا آمنا للرئيس مع الحفاظ على وحدة البلاد ووقف حمامات الدماء هناك، وأعتقد أن الدور المصرى هنا لديه فرصة لبناء عودة مصر لقيادة المنطقة إقليميا إذا استطاع أن يتوافق مع إيران وتركيا والسعودية على حل للأزمة المعقدة فى سوريا، والتأثير المصرى على إيران هنا حاسم للوصول إلى توافق حول ما يطلق عليه الحل اليمنى.
زيارة الرئيس للصين ولقائه للمسؤولين الصينيين والتى أنهاها قبل توجهه مباشرة لإيران تشير إلى البحث عن بدائل عن احتكار الغرب للعلاقات المصرية سواء أكان على مستوى أمريكا أو أوروبا، ومعلوم فى العلاقات الدولية أن الاستسلام للاحتكار الأمريكى والغربى يبعث على المزيد من الاحتكار الذى قد يصل إلى الاستعمار بل الاستحمار، ومن هنا فإن زيارة الرئيس للصين هى إشارة للغرب وأمريكا أن هناك بدائل يمكن لنا أن ننفتح عليها فى عصر مصر الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة - كما يشير الرئيس.
من هنا كان حوار الرئيس مع القادة الصينيين حول الدور الذى يمكن أن تلعبه الصين مع لجنة الاتصالات الرباعية التى تقودها مصر لوقف حمامات الدماء فى سوريا وللحفاظ على وحدتها ومنع تمزقها، بل إن الرئيس مرسى يريد أن يشرك فى ذلك روسيا وذلك للبحث عن حلول لتلك الأزمة.
أشار الرئيس مرسى فى الصين إلى إحياء خط طريق الحرير بين بكين والقاهرة باعتبار مصر المدخل لأفريقيا، كما أن المستقبل العالمى والثقل الاستراتيجى ينتقل من المحيط الأطلنطى إلى المحيط الهادى، ومن ثم فإن المستقبل فى العلاقات المصرية الخارجية هو باتجاه الصين بشكل أساسى. لقد سئمنا أجندة صندوق النقد الدولى والبنك الدولى وسئمنا شروطهما، وسئمنا المعونة الأمريكية، وسئمنا الاقتراض من الهيئات الدولية الغربية، وأمامنا فرصة جديدة للتوجه شرقا، حينها فقط سيعرف الغرب وأمريكا حدودهما ويتعامل مع مصر بما تستحقه.
تاريخ مصر يعمل فى دائرتين الأولى: الديمقراطية فى الداخل وإنتاج نظام سياسى مدنى يقوم على أوسع قاعدة للمشاركة وتمثيل كل أطياف المجتمع، والثانية: تحقيق الاستقلال الوطنى ونبذ غبار التبعية للخارج، ولاشك أن التحول إلى نظام ديمقراطى منفتح على كل القوى الداخلية سوف يفتح الباب واسعا لخوض معارك الاستقلال والتحرر من التبعية بكفاءة واقتدار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة