تخيل أنك وقعت فى مشكلة مع جارك القوى صاحب النفوذ، فنكل بك واضطهدك وعذبك وسرق ممتلكاتك وتعدى عليها وعليك، وبعد أن ثرت عليه وعلى طغيانه، هرب من أمامك، فحل محله جار جديد، يتمتع بنفوذ وسطوة وعشيرة كبيرة، وأقنعك أنه يقف فى صفك، وأنه عانى من جارك القديم مثلما عانيت، وأنه من المستحيل أن يظلمك، وأحسنت ظنك به وأمنت له، واتفقتما على أن العقد القديم الذى كان ينظم العلاقة بينك وجارك القديم به خلل، ولا يوضح حقوق والتزامات كل منكما تجاه الآخر، ثم اتفقتما على ضرورة عمل عقد جديد يؤسس لعلاقتكما فى المستقبل بما يضمن حقوقه وحقوقك، فرحب وأيد ووافق، وحينما جاء وقت كتابة العقد، أصر جارك الجديد على أن ينتدب فريقا من جانبه لكتابة هذا العقد، ولما تبين لك أن هذا الفريق يدين بالولاء الكامل لجارك ثرت مرة أخرى، وأجبرته على أن يغير هذا الفريق، فانصاع لرغبتك مرغما، ثم تلاعب فى تشكيل هذا الفريق مرة أخرى، وصور للرأى العام «جيرانكما» أن هذا الفريق محايد تماما، فتغاضيت عما بهذا التشكيل من عوار، وانتظرت حتى يضع هذا الفريق بنود العقد الأساسية لترى وتحكم، ثم فوجئت بهذا الجار يقرب منه فريق كتابة العقد هذا، ويقدم له من المناصب والمكافآت ما يضمن به ولاءه، وذلك بحكم منصبه ونفوذه وعشيرته، فبماذا تسمى فعلته هذه؟ وما الصفة الصحيحة التى يستحق جارك أن تطلقها عليه؟ وكذلك ما هى الصفة التى يستحقها هذا الفريق، بعد قبوله هذه المناصب التقريبية من الجار؟
أعتقد أنى لا أفاجئك إذا قلت لك إن المثال السابق ما هو إلا تجسيد لبعض ما نعيشه بعد الثورة، فمعروف أن «الدستور» هو العقد الذى يحدد حقوق وواجبات المواطنين تجاه بلدهم، كما يحدد حدود واختصاصات السلطة تجاه المواطن، ولما كان دستورنا السابق فاسدا، رأى الشعب بعد ثورته أن يعيد كتابة دستوره، ولما استأثرت جماعة الإخوان المسلمين بوضع الجمعية التأسيسية للدستور، غضب الشعب كله منها لأنها وضعت تشكيلة موالية لها تماما، محتفظة لنفسها ولمناصريها بأغلبية مطلقة، ثم صدر حكم المحكمة ببطلان هذه الجمعية التأسيسية، فأعاد الإخوان تشكيلها موهمين البعض بأنها «حيادية»، وممثلة لكل أطياف المجتمع، وقد روج بعضهم أن هذه الجميعة تتمتع باستقلال تام عن كل مؤسسات الدولة، كما نادى الكثير من القوى الوطنية قبل تأسيس الجمعية بالنص فى قانون تنظيم هذه اللجنة على عدم تعيين أعضائها فى أية مناصب حكومية لمدة ترواحت ما بين عامين وخمسة أعوام، لكى يضمن المجتمع ألا يتم رشوة أعضاء تلك الجمعية بالمناصب، فتنحاز لمن فى يده السلطة على حساب الشعب، وهو الأمر الذى روجته كتائب الإخوان الشعبية بين الناس، كما نص قانون إنشاء الجمعية التأسيسية الذى وضعه «الإخوان» ووافق عليه «الإخوان» على أن يتفرغ أعضاؤها لها، وألا يمارسوا أعمالهم التى يشغلونها قبل الثورة مقابل أن تتفرغ تلك الجمعية، وتكون مستقلة عن السلطة، لكن ما لم ينتبه إليه أحد هو أن ما حدث فاق كل التوقعات.
لم ينتظر الرئيس محمد مرسى ولم ينتظر الكثير من أعضاء اللجنة التأسيسية حتى انتهائهم من كتابة دستورهم المشوه، فحشدوا أنصارهم لتولى المناصب العليا، وسارع الرئيس «صاحب السلطة التنفيذية» وجماعته «صاحبة إحدى السلطات التشريعية» على تقديم المناصب للعديد من أعضاء الجمعية التأسيسية بالمخالفة لكل الأعراف الدستورية المتبعة فى هذا الشأن، فتم تعيين أكثر من خمسة عشر عضوا من أعضاء الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور فى مناصب كبيرة، فعين كل من عصام العريان، ومحمد سليم العوا وعماد عبدالغفور وأميمة كامل وبسام الزرقا وفاروق جويدة وحسين القزاز فى منصب مستشار الرئيس، كما تم تعيين أسامه ياسين وزيرا للشباب، ومحمد على بشر محافظا للمنوفية، ومحمد محسوب وزيرا لشؤون مجلسى الشعب والشورى، وأحمد خليل خير الله عضوا فى المجلس الأعلى للصحافة، وممدوح الولى رئيسا لمجلس إدارة الأهرام، وكل من محمود غزلان ومحمد البلتاجى فى المجلس القومى لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى تعيين المستشار حسام الغريانى رئيس الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور رئيسا للمجلس القومى لحقوق الإنسان، فبالله عليكم ماذا يسمى هذا؟
كيف يطمئن شعب وضع ثقته فى شخص «ما» أو جماعة «ما» مستأمنا إياهم على كتابة دستوره، ولما تمكن هؤلاء، حشروا أنفسهم حشرا فى كل المناصب، ولم يمنعهم حياؤهم ولا دينهم ولم تمنعهم وطنيتهم من أن يزاوجوا بين المناصب الكبرى التى تتعارض اختصاصاتها، فأعضاء مجلس الشعب هم من يكتبون الدستور الذى سيحدد صلاحيات مجلس الشعب، وأعضاء مجلس الشورى هم من يكتبون الدستور الذى سيحدد صلاحيات مجلس الشورى، وأصحاب المناصب التنفيذية هم الذى سيحددون صلاحيات المؤسسات التنفيذية، وزيادة فى البلاء، قدم محمد مرسى عشرات المواقع القيادية لأعضاء اللجنة التأسيسية الذين سيحددون صلاحياته وسلطاته، والذين سيكتبون الميثاق الذى ينظم العلاقة بين الرئيس والشعب، فكيف سينحاز هؤلاء للشعب وقد كسرت السلطة أعينهم بالمناصب، وأغرتهم بالمكافآت؟ وكيف لليد التى امتدت لتأخذ المناصب والعطايا أن ترتفع لتمنع ظلم من منحها؟
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة