الثلاثة كبار، وكبار جدا، كشعراء و«كبنى آدمين»، الثلاثة طوروا فى شعر العامية، كل على طريقته، بعد أن استلموا الراية من بيرم التونسى وبديع خيرى وصلاح جاهين وفؤاد حداد، جاءوا من مشارب متنوعة فى الوجدان المصرى، كل منهم شيخ طريقة فى المنطقة التى اختارها، أو اختارته، الثلاثة يحملون أشواق الثقافة المصرية والإنسانية العريضة، هم يحلمون بالحرية والعدالة والخير والجمال، أصواتهم بحت من كثرة الأحزان، كل منهم اختار طريقا لمقاومة الاستبداد والفقر وضيق الأفق، وقعوا منذ البدايات عقودا مع المستقبل الملىء بالحدائق وابتسامات الأطفال، هم يعرفون جيدا أن الله مع الحق، الثلاثة ساهموا فى تجييش الوجدان انتظارا للفرح، أحمد فؤاد نجم وعبدالرحمن الأبنودى وسيد حجاب، ثلاثة عناوين كبيرة فى الشعر والحياة، الأول فاجومى انتخبته اللغة الخام ليكون لسان الفقراء ضد الظلم، جسورا، حصنته طفولته التى لا تنضب ضد أمراض النجومية والنفوذ، صياد اللحظات القريبة المدهشة، بداهته هى سر تفرده، يذهب إلى ما يريد من أقصر الطرق، لم تنجح سجون الماضى فى ترك أى ندوب على روحه العذبة، حياته تشبه شعره، وحيله فى الحياة لا تفرق عن حيله فى الشعر، هو يستعين بخبرته فى الناس للتواصل مع الناس، هو شاعر قليلى الحيلة الذين دهستهم العلاقات غير الشعرية التى جعلت التجار يتحدثون باسم المستهلكين، وجعلت الجلادين يتحدثون باسم المجلودين، هو لا يريد شيئاً من أحد، وقد أسعدنى زمانى واقتربت وعشت بجواره فى الغورية أجمل سنوات عمرى، وتعلمت منه أن الحياة هى أهم مصادر المعرفة، وأن الغناء أعظم ما فينا حتى لو كانت أصواتنا لا تصلح، الثانى هو الخال عبدالرحمن، الذى يعرف أكثر من غيره، من أين يأتى الشعر؟، ويعرف كيف يقوله، هو سليل الشعر الإنسانى الذى لن يقدر عليه الزمن، هو ملهم حقيقى للشعراء ومحرض على المباغتة، «قناص الرؤى»، شعره غير قابل للتصنيف، كان أكثر الناس تغريدا فى الثورة، وفى اللحظة التى كان ينبغى أن يختار فيها، انحاز للميدان، الأبنودى قريب من القلب، هو عاشق لا يشيخ، وقاطع طريق اللغة السهلة المحملة بالذكريات المنسية، الثالث هو سيد حجاب، حارس الدفء الإنسانى، وصياد القوافى، أحد عناوين الحداثة فى الشعر العربى الجديد، فروسيته واعتزازه بنفسه وسعة صدره وثقافته الواسعة، جعلته معنى عظيما فى الثقافة المصرية، جذور قصيدته تبحث طوال الوقت عن أرض جديدة مستعدة لاحتمال الخضرة، سيد حجاب رجل شريف، عاش نصيرا للحق والشعر والغناء، لم ينجرف فى اتجاه السوقية وحافظ على نصاعة ثيابه وقلبه.
الثلاثة أساتذتى وأصدقائى وأعرفهم طوال عمرى، أحبهم فرادى، وأعرف قدر كل واحد على حدة، ولم أتورط فى «التسخين بينهم»، وعشت أحلم أن أراهم معا، الجفاء الذى بينهم، والتلاسن المتقطع، جعلهم يظهرون أمام الناس كأنهم خصوم أو أعداء، أو يلعبون فى البيزنس ومختلفين على المال، لا يعرفون أن وجودهم بيننا يعنى أنَّا كثار، وأنهم معا يشكلون فريقا جبارا ضد أعدائنا، سعدت جدا بالصلح الذى تم بين أبوالنجوم وحجاب فى دار ميريت الجمعة الماضية، ولمحت فى عيون الأصدقاء محمد هاشم وأحمد بهاء الدين شعبان وخالد على ومحسن حلمى وأحمد عبدالعزيز وأحمد القصير وحمدى أبوجليل ومحمد شعير وبقية الحضور فرحا عظيما، لم نشهده منذ جمعة التنحى، ولن يكتمل هذا الفرح إلا عندما ينضم الخال الكبير عبدالرحمن إلى الصورة.. لأن الخلافات القديمة التافهة لا تستحق بعد ثورة عظيمة شاركوا فى نجاحها أن تحتفظ الذاكرة بها.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة