كل هذه البلاغات والتصريحات عن الفساد والمفسدين والأموال الهاربة والمخفية ولا أحد رأى نتيجة، لا الأموال المهربة ولا جزء منها عاد، ولا حتى تم تحديد مكانها أو قيمتها بشكل حقيقى، ولا امتلك إحصاءات دقيقة عن حجم الفساد والمفسدين، وإنما بلاغات فردية تخفى الحقيقة.
السبب غالبا حالة العشوائية والتصريحات الفشنك والوعود المجانية التى لا تستند لشىء، فضلا عن حالة من التشويش يصنعها تزاحم فى البلاغات والدعاوى من دون أساس وهدفها غالبا إعلانى أكثر منه قانونى. والنتيجة أننا أمام تمثيلية من البحث عن الفساد، يقوم فيها بدور البطولة رجال محاماة وقانون بهدف تلميع أنفسهم أو عمل دعاية وإعلان، وليس الهدف هو مواجهة الفساد واستعادة المهربات.
وفى العادة تستخدم النيابة وجهات التحقيق «على ذمة التحقيق»، عندما تتخذ قرارا باستدعاء متهم للتحقيق معه فى بلاغ أو اتهام، أو رأت أن تستكمل التحقيقات، تقرر حبس المتهم على ذمة التحقيقات مددا تتراوح بين أربعة وواحد وعشرين يوما، قد تمتد بقرار المحكمة إلى خمس وأربعين يوما، وأصبحت ذمة التحقيقات تكتظ بمئات التحقيقات والبلاغات من كل الأنواع والأحجام، يتقدم بها محامون أو نشطاء عن اتهامات بالفساد، ناهيك عن بلاغات وبلاغات مضادة بعضها جاد وكثيرها للاستعراض، الهدف منها أن يجد صاحب البلاغ فرصة لتلميع نفسه باسم مكافحة الفساد أو الغيرة على المال العام، بينما هو يساهم فى أكبر حركات التشويش.
كثير من البلاغات تنتهى بالحفظ لأنها غير مكتملة، أو خالية من المستندات، وتبدو جزءا من لعبة تشارك فيها أطراف عديدة تشغل النيابات والمحاكم والرأى العام فترة، وسرعان ما تختفى، ليظهر غيرها، لأن مقدميها يستندون لذاكرة ضعيفة. ولنرجع إلى مئات البلاغات التى تم تقديمها خلال الشهور الماضية فى مسؤولين ووزراء سابقين صمت الحديث عنها، ولم نر غير التحقيقات والأحكام التى صدرت ضد كبار المسؤولين فى النظام السابق.
بعض مقدمى البلاغات بينهم من يقدم بلاغات لمواجهة الفساد فى جهة، بينما هم محامون لأطراف أخرى متهمة بالفساد فى جهة أخرى، لنجده مدعيا هنا ودفاعا هناك، وتكون البلاغات مع ما يصاحبها من «الشو الإعلامى» وسيلة لتنشيط مكاتبهم التى تستقبل المزيد من القضايا، لا يهم إن كانوا يشغلون النيابات والقضاء بمئات البلاغات التى تستهلك الوقت والجهد، ولا تنتهى لشىء، غير سرقة الوقت، وإذا أضفنا حجم الطعون والطعون المضادة والاتهامات بالقذف والسب، بسبب تصريح هنا أو اتهام هناك، نكتشف أننا فى حالة أقرب للسيرك، تصرف الأنظار عن أى فساد.
لا أحد من نجوم البلاغات بذل جهدا لحصر المتورطين فى الفساد، سواء نهب المال العام أو الأراضى أو الحصول على أموال وأرباح غير مشروعة. الأمر كله مجرد استعراض من محامين ونشطاء وعابرى سبيل، يمثلون دور مكافحة الفساد، بينما يغطون على تفاصيل الفساد، فلا المال عاد، ولا المفسدون تم القبض عليهم، وتبقى الحالة فقط تمثيلا «على ذمة التحقيقات».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة