لم تكن البداية مع الفيلم المسىء للرسول عليه الصلاة والسلام واضحة، ولا النتائج واضحة . فقد انسحبت أطراف كثيرة إلى معارك وتداعيات، لم يتجه أى منها إلى صناع الفيلم ومنتجيه ومروجيه. والسبب أن البعض يعتبر الدعوة لتحكيم العقل، ضعف، أو عدم اهتمام. وإذا كان أعداؤنا يتصرفون بالعقل، فإنهم يستغلون غياب العقل لدى بعض الحناجر.
وليس عيبا أن نطالب بالعقل ونحن نسعى لوقف الفيلم المسىء للرسول، ونسعى لمعاقبة من أنتجوه وصنعوه. لكن المعارك التى اندلعت اتجهت إلى صدورنا نحن، وإلى اتجاهات أخرى غير الاتجاه الذى يجب أن تذهب إليه. وندفع نحن الثمن من أموالنا وممتلكاتنا، لأننا نوجه الرد إلى غير اتجاهه.
كل نتاج رد الفعل هى رفع علم تنظيم القاعدة على السفارة، الأمريكية فى مصر، وقتل السفير الأمريكى فى ليبيا بأيدى تنظيم القاعدة. الذى يبدو أنه يتحرك بحريته، بدعاوى نصرة الإسلام بينما كل النتائج تشير إلى أن أغلب ـ إن لم يكن كل ـ تصرفات القاعدة تصب لصالح الأعداء. القاعدة كانت الحجة التى دمر بها بوش الابن أفغانستان وغزا العراق وشن حروبا على المسلمين، والآن تعود القاعدة للظهور وتدعم اليمين الأمريكى فى الانتخابات القادمة ليواصلوا مشروع دبليو بوش الذى اعتبر الإسلام هو العدو.
ومن نتائج المظاهرات التى خرجت أمام السفارة حرق سيارات الشرطة المصرية، وإصابة وأسر جنود الأمن المركزى، والذين يقومون بدورهم فى حماية بعثة دبلوماسية، تعتبر على أرض أجنبية، وسوف يرد البعض أن هدفهم هو الرد على أمريكا من دون أن يقدموا مبررا للهجوم على سيارات الشرطة ومهاجمة جنود مصريين. وإذا سألت عن الجهة التى تحرك العنف، والصور التى تظهر شبابا يحرقون، لن تجد إجابة. فحازمون وغيرهم أعلنوا أنهم لم يحرقوا، واتهموا الألتراس، الذين تبرأوا أيضا مع أنهم شاركوا فى المظاهرات.
الصورة نسخة من أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء، وكل طرف يخلى مسؤوليته، وكأن الطرف الثالث يعود للظهور، ربما كان تنظيم القاعدة أو أى من تنظيمات تجد لها مكانا لتشعل النار فى كل اتجاه وتقتل وتزيد النار اشتعالا. والطرف الثالث لاعلاقة له إلا بإشعال النار.
كل هذا يطرح سؤالا: أين كل هذا من القضية الرئيسية التى هى الدفاع عن الرسول من الإساة التى ارتكبها مهاويس مجرمون. بل إن مهووسا عندنا بدلا من رد الإساءة، دعا لحرق الإنجيل، ضمن حالة من الهوس المضاد. والنتيجة أن صناع الفيلم اختفوا، اتضح أن صناعة الفيلم قائمة على الخداع، والكذب، وتتردد شائعات، عن تورط دول أو أموال أو أشخاص من المنطقة وخارجها.
النتيجة أن النار عادت لتشتعل فى مصر بعد فترة من الهدوء، بما قد يشير إلى وجود جهات مختلفة تعرف نفسيات الجموع، وأن الفيلم جزء من خطط جاهزة لصناعة الفتن والصراعات، وفوضى تسمح بالمزيد من الفوضى. وإذا كان هناك طرف ثالث، فهناك طرف عبيط ينفذ كل المخططات بلا وعى.