فى حادث السفارة الأمريكية بالذات، يجب أن يعرف الرأى العام من هو المتهم الحقيقى الذى يقف وراء هؤلاء الصبية الذين أشعلوا النار فى السيارات، وقذفوا الشرطة بالطوب والحجارة، واستخدموا الخرطوش ضد المتظاهرين وتسببوا فى حدوث إصابات كثيرة، علاوة على المظهر السيئ الذى خرج بالمشاعر الدينية المشروعة إلى الشغب العشوائى والحرق والتكسير.
ومن هم بالضبط "البلطجية والذين يتعاطون المخدرات ولهم ملفات جنائية " حسب ماصرح به مدير مباحث القاهرة وهو يعلق على الأحداث أمام مسجد عمر مكرم.
لا يجب أن نفعل مثل بعض نجوم الفضائيات الذين اعتادوا على إلقاء المسئولية على الطرف الثالث واللهو الخفى، أو أحمد شفيق ونخنوخ، أونزلاء طرة والفلول.. دون أن تتوافر أدلة وأسانيد قاطعة وليس اتهامات سياسية مرسلة، لم يثبت صحتها فى معظم الحوادث الأخيرة، وظل هؤلاء المتهمون الافتراضيون مثل ستار الدخان الذى يخفى المتهمين الحقيقيين، وظل الطرف الثالث مجهولا ، وبقى اللهو الخفى مرتديا "طاقية الإخفا".
لو كان هؤلاء هم المحرضين الحقيقيين، فليقدموا إلى المحاكمة وينالوا عقاباً رادعاً ويكونوا عبرة وعظة لغيرهم، حتى ترتاح البلاد من تآمرهم وشرورهم ، وليس عصيا على أجهزة الأمن بما تمتلك من أدوات وآليات أن تكتشف الرءوس التى تحرك المؤامرة من وراء الستار، وليكن لنا فى حادث استاد بورسعيد المروع عبرة وعظة ، عندما سيق الى المحاكمة طابور من المتهمين وبرأتهم المحكمة، مما خلق لدى الناس حالة من الإحباط وعدم الثقة.
حادث السفارة الأمريكية بالذات يجب أن يكون علامة فارقة، بعد أن أصبحت مفاصل الأمن" حكومة وجيش وشرطة ووزارة العدل وأجهزة المخابرات والأمن الوطنى" فى قبضة حزب الحرية والعدالة والرئيس مرسى ، وانتهت ازدواجية السلطة وتشتيت المسئولية وتبادل الاتهامات وتصيد الأخطاء، ورحل المجلس العسكرى السابق الذى كان يمارس دوراً ملتبساً ويشكك البعض فى نواياه.. وأصبحت كل أجهزة الدولة مسئولة أمام الرئيس الشرعى للبلاد، لتثبت أنها على قدر المسئولية .
حادث السفارة الأمريكية يجب أن يكون البداية الحقيقية لاستعادة الثقة فى الأمن، لذا لم يكن قادة الإخوان المسلمين موفقين حين تسرعوا وألصقوا الاتهامات بنفس الأشباح القديمة، فقد كانوا يفعلون ذلك فى الماضى استباقاً للأحداث وللحيلولة دون ما أسموه إعادة إنتاج النظام القديم وللنيل خصومهم ومنافسيهم ، أما الآن فتخصم هذه الاتهامات كثيراً من رصيدهم فى كل مرة يثبت عدم صحتها، وأصبح مطلوباً منهم هم وليس غيرهم أن يكشفوا اللهو الخفى والطرف الثالث، وأن يراجعوا أنفسهم فى استخدام شماعة الفلول "عمال على بطال".
لا يجب أن يقيد الحادث "ضد مجهول" ولا أن يقدم للمحاكمة متهمون أو محرضون غير الفاعلين الأصليين، مثلما حدث فى ماسبيرو ومحمد محمود والبالون والعباسية واستاد بورسعيد، وأن تأخذ أجهزة الأمن وجهات التحقيق فرصتها الكاملة فى كشف الظروف والملابسات حتى لا يتكرر ما حدث وتضع البلاد أقدامها على بداية طريق الهدوء والاستقرار، وتتفرغ لقضايا البناء والإستثمار والتنمية ومواجهة المشاكل الحقيقية التى يعانى منها الناس، ولن يتحقق ذلك وسيف ميدان التحرير ومظاهراته العشوائية مٌصلتا على الرقاب.
أولا : يجب أن تضع أجهزة التحقيق يدها على المحرض الذى يٌموّل هولاء الصبية ويقيم لهم الخيام ويقدم الطعام ويتحمل هذه النفقات الكبيرة ، وما الجهات التى تقف وراءه سواء فى الداخل أو الخارج ، ذلك لقطع الحبل السرى الذى ينقل عصارة الفوضى والشغب الى المظاهرات السلمية، فتهدد ممتلكات الناس وأرواحهم وتعطل مصالحهم وحياتهم.
ثانيا: فك طلاسم الخرطوش الذى يخترق العيون بالذات، مما يؤكد أن مستخدميه على درجة عالية من التدريب، ومن أين يحصلون عليه لتكون بداية حملات أمنية مكثفة لإغلاق ورش تصنيع الأسلحة، والقضاء على عصابات بيع السلاح باعتبارها التحدى الحقيقى الذى يواجه أجهزة الأمن، فى سعيها للحد من انتشار الجريمة.
ثالثا:عدم الوقوع فى فخ عودة حالة الطوارئ، لأنها ستخلق أجواءً سلبية تخيم على المجتمع كله، أكثر من جدواها فى مكافحة أعمال الشغب والبلطجة، والدليل أن أجهزة الأمن استطاعت فض المظاهرات وإخلاء ميدان التحرير دون طوارئ وبأقل قدر من الخسائر، لأنها لجأت إلى الحسم والحزم بدلا من التردد والسلبية والأيدى المرتعشة.
رابعا : لابد من إصدار تشريع عصرى على غرار الدول الديمقراطية لتنظيم حق التظاهر السلمى وحماية المتظاهرين، يتضمن التسهيلات والضمانات وليس التضييق والقيود، فالهدف هو وجود قنوات مشروعة تتيح لكل الفئات والجماعات التعبير السلمى عن آرائها ومطالبها بصورة حضارية لا تشوه المتظاهرين والتظاهرات.
كان من الممكن أن تخرج مظاهرات السفارة الأمريكية بصورة تدعو للفخر، إذا التزم المتظاهرون بالتعبير عن غضبهم من الإساءة للرسول، دون أن يندس فى الصفوف مشاغبون لا علاقة لهم بالدفاع عن الدين، فاعتدوا على جنود الأمن المركزى الذين كانوا يهتفون وهم يحرسون السفارة الأمريكية والمنشآت العامة " بالروح بالدم نفديك يا رسول الله".