أقدر تلك الحيرة التى وقع فيها أرباب الإسلام السياسى من إخوان وسلفيين إزاء حالة الاحتقان الأخيرة بعد هذا الفيلم التافهة الذى أنتجه بعض الموتورين من أبناء الحركة الصهيونية، فهم معذورون، لا يعرفون إلى أين يولون وجوههم، ولا يعرفون من يوالون، إن رجعوا لخطابهم القديم لفظهم المعتدلون وأبعدهم المجتمع الدولى، وإن حاولوا أن يتمدنوا وأن يتبنوا الخطاب المعتدل السمح كرههم أتباعهم واكتشفوا زيف ما كانوا يحفظون عنهم، ولهذا كان التخبط هو العنوان الأبلغ لما عاشه مدعى التحدث باسم الله بإزاء الأزمة الأخيرة.
حقنوا الناس بالاحتقان والكراهية، وما أن فرغوا من حقنهم حتى اكتشفوا أن أياديهم «فى النار» وليست فى «الميه» كما كانت قديما، دعوا إلى تظاهرة حاشدة وتراجعوا، أشعلوا الدنيا فى قنواتهم ثم قالوا لم نكن نقصد، أشركوا الألتراس فى التظاهرات ورحبوا بانضمامهم إليهم ثم تبرأوا منهم وقالوا لا نعرفهم، كان خيرت الشاطر يداعب مشاعر الأمريكان ويناجيهم بعزائه فى سفيرهم على موقع الإخوان الصادر بالإنجليزية، بينما كان موقع إخوان أون لاين العربى يحشد الناس ضد أمريكا وسفارتها، وإن كنا نحن قد اعتدنا على هذا الاضطراب وتعودنا على بلع أكاذيبهم الواحدة تلو الأخرى، فالأمر مختلف بالنسبة لأمريكا التى اكتشفت سفارتها هذا التناقض فأبرزته فى تصريحاتها بأنها تتابع المواقع العربية أيضا، ولم يكن ينقص فقط إلا أن تحمل السفيرة الأمريكية لافتة عريضة مكتوب عليها «إخوان كاذبون».
الشيخ ياسر برهامى صاحب فتاوى الكراهية واحتقار الدين المسيحى الذى حرم من أشهر تهنئتهم بالأعياد أو الترحم على أمواتهم وقال إن العقيدة المسيحية عقيدة فاسدة فى ازدراء واضح للديانة المسيحية وجد نفسه فى موقف لا يحسد عليه بعد أن تم إحراق الإنجيل أمام السفارة، وبعد أن عرف الأمريكان أن حزب النور وغيره من الكتل السياسية السلفية هى التى تقود المظاهرات، فأخرج فتوى تتناقض مع خطابه الكريه السابق وقال إنه لا يجوز أن يحرق الإنجيل، ولو كنت من أتباع الشيخ أو مريديه لاكتشفت بمنتهى السهولة مدى التناقض بين الشيخ ياسر القديم والشيخ ياسر الجديد، فكيف لمن قال لك إن هذا الشىء فاسد أن يمنعك من أن تحرق أس الفساد؟
ولم يكن الأمر ليمر دون أن يدلى الدكتور محمد البلتاجى بدلوه فى القضية، فاستخرج من كهف اتهاماته مقتنيات جديدة، مدعيا أن الذين يتظاهرون أمام السفارة من «النخانيخ» أتباع «نخوخ» المحبوس حاليا، كما بالإضافة إلى كونهم طرفا ثالثا وفلولا، وهذه آخر اختراعات الدكتور بلتاجى بعد اختراع الدولة العميقة التى أصبحت بحوزة جماعته الآن، فالحمد الذى الذى من على عبده «بلتاجى» بمصطلحات اتهامية جديدة لكى يلصق بها كل نائبة، وأمده كل يوم بعفريت يفزع الناس منه، وزوده بشماعة جديدة فى كل أزمة ليستعرضها فى سوق الفيس بوك فيقبل عليه القراء والمتابعون ليتسلوا بكائناته الخرافية كما كان الأطفال يتسلون بحكاية أمنا الغولة.
فى اعتقادى أن لهذه الأزمة - وإن كانت كريهة مقيتة مقززة - فوائد عظيمة، منها أننا اكتشفنا مدى تقصيرنا فى الدفاع عن هويتنا العربية الإسلامية، واكتشفنا مدى تهاوننا فى إبراز سماحة وعظمة النبى الأكرم، كما اكتشفنا عبثيتنا وغوغائيتنا وقلة حيلتنا، وهذا ما يجب أن نتخذ له الاحتياطات اللازمة وأن نعد مشروعاً حضارياً تنويرياً من أجل تطهير كتب الحديث والتاريخ والتراث من المدسوسات، لكن ما لا يمكن إنكاره هو أنها أسهمت فى تحطيم بعض أصنام تيار الإسلام السياسى التى اضطربت وتصدعت بين موقفها القديم وقت أن كانت فى المعارضة، وموقفها الآن وهى فى السلطة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة