بكل ثقة و«حمئة» دعانا الدكتور حسن البرنس القيادى الشهير بجماعة الإخوان المسلمين إلى مقاطعة شركة «جوجل» رائدة الصناعة الإنترنتية فى العالم، وصاحبة أكبر استثمارات فى تاريخ الفضاء الإلكترونى، هكذا بكليك شمال على صفحة «جوجل كروم» أعلن البرنس الحرب على المصدر الرئيسى للمعلومات على الإنترنت لأنها لم تحذف ذلك الفيلم التافه المسىء للرسول، وقال نصا واجب على ملايين المسلمين فى البرمجة والمعلومات عمل باحث منافس لها حتى نؤدبها، داعيا إلى مقاطعة هذه الشركة العملاقة واستخدام محركات بحث أخرى حتى ننال منها وننتقم.
لا يقدر عاقل على أن يلوم الدكتور البرنس على مقصده من وراء هذه الدعوة، فهى من ناحية تنادى بالثأر للرسول وذلك واجب على كل مسلم، ومن ناحية تستحث المسلمين على الابتكار، وهذا واجب أيضاً وفرض من الفروض الشرعية والوطنية، لكن تلك الطريقة التى صاغ بها البرنس دعوته، وتوقيتها هو ما يدعو إلى اعتبارها «نكتة» لا دعوة، ولو كنت مكانه لسعيت إلى بناء منظومة علمية حقيقة بخطة زمنية محكمة وبأهداف واضحة قبل أن «يفقع» كلمتين على فيس بوك أشبه بالفقاعات الغازية، فالدكتور الذى يستخدم فيس بوك وتويتر يدعو إلى مقاطعة «جوجل» عبر هذه المواقع الشهيرة دون أن يدرك أن جوجل استحوذت على حق استخدام خدمة «وايلد فاير» التى تتحكم فى منصات المواقع الاجتماعية ومنها فيس بوك وتويتر، بالإضافة إلى تحكمها فى البريد الإلكترونى والموبايلات الحديثة والعديد من البرامج الحديثة التى يستعملها البرنس، فيا فرحة أمريكا بهذا الحمق التاريخى التى عبر عنه قيادى مبرز فى الحزب الحاكم، ويا لخيبتنا فيمن وضعنا فيهم ثقتنا.
باختصار ليست دعوة الدكتور البرنس إلى مقاطعة «جوجل» سوى «طق حنك» أراد بها سيادته أن يفرغ طاقته وأن يستمر فى الهجوم على الفيلم ليحفظ ماء وجهه وماء وجه جماعته صاحبة المواقف المضربة تجاه هذه القضية، ولست أعرف كيف يتجرأ «البرنس» ويطالب بأن «نؤدب» شركة «جوجل» وحكومة الحزب تقف صاغرة على أبواب صندوق النقد الدولى «تشحت» معونة أو قرضا أو منحة، ولو كانت لى علاقة بالبرنس لنصحته بأن يبدأ بأهل جماعته، وأن يسحب طلب القرض قبل أن يدق طبول الحرب الحنجورية على مصدر المعلومات الأكبر على الإنترنت، فى مزايدة رخيصة على القضية، واستغفال واضح لسامعيه ومتابعيه.
كلام البرنس لا يدل إلا على مدى ضحالة عقول تلك الطائفة التى تحكمنا، خاصة الكبار منهم، فهو يتصور أنه بتلك الدعوة قد أعلن الحرب على أمريكا التى تنتوى أن تحتلنا، وما لا يعرفه البرنس أو يعرفه ويتغافل عنه هو أن أمريكا تحتلنا فعلياً، وإن كان صادق الدعوة يبتغى الثأر بالمقاطعة فما عليه إلا اعتزال الحياة بأسرها بغية الاستقلال، لا أن يأمر الناس بما يظنه برا وينسى نفسه، فأمريكا فى حياتنا وأجهزتنا وبريدنا الإلكترونى وملابسنا ومطاعمنا وفى الهواء الذى نتنفسه والقرار الذى نتخذه، وليسأل فى هذا رئيسه مرسى ليعرفه إن كان جاهلاً، فأمريكا التى كانت رأس الشيطان أصبحت الآن قبلة مرسى وحكومته وحزبه، وأنها لا تبتغى أكثر ممن يضمن لها مصالحها، وأنها لن تحتلنا عسكرياً لأنها تحتلنا فعلياً، وماذا يبتغى المحتل سوى أن يضمن تبعية من يحتله سياسياً، وأن يفتح له أسواقه اقتصادياً، وأن يكون تحت إشرافه عسكرياً، وأن يستولى على خيراته وموارده، ولماذا تحاربنا أمريكا مادامت قد ضمنت أن تحلبنا، وليس خفياً على أن أحد أن الحلب أقل تكلفة من الحرب.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة