الأكثر استفزازاً من بين الأشياء الكثيرة المستفزة فى شوارع مصر هى التصورات التى يضعها الشعب المصرى «مواطنين وحكاماً» لنفسه..
الحاكم المصرى يرى نفسه عادلاً عدل عمر وأباً يعانى من عشق الأبناء وكثرة مطالبهم وضيق أفقهم الذى يدفعهم دوما للضغط عليه دون منحه الفرصة الزمنية المناسبة لتحقيق ما وعد به، وطبعاً لا داعى لإخبارك بأن رؤية الحاكم أو صاحب السلطة لنفسه لا تتغير حتى لو نقلت له الكاميرات آلاف المشردين تحت الكبارى وملايين المتظاهرين طمعا فى حياة كريمة ولقمة عيش دون ذل.
المواطن المصرى يرى نفسه دوما مواطناً متدينا ولكى يريح نفسه من تكرار تلك العبارة قام بصك مصطلح شهير هو «الشعب المصرى متدين بطبعه»، والمميز فى هذه العبارة أنها لا تتأثر أبدا بأى دراسات تتحدث عن كون المصريين هم الأكثر بحثا عن الجنس بكل مشتملاته على الإنترنت، كما أنها لا تتأثر بأى دراسة تتحدث عن تصدر مصر قوائم الدول الأكثر فساداً.
المواطن المصرى يرى فى نفسه من الشهامة والنخوة ما يدفعك للظن بأن الله قصرها على أهل المحروسة وكفى، وقناعة الشعب المصرى بشهامته ونخوته دفعته لأن يصيغ لهذا الأمر هو الآخر مصطلح هو «أخلاق الجدعان وولاد البلد» حتى يعفى نفسه من اللجوء إلى القائمة الطويلة التى تضم مرادفات مثل النخوة والشهامة والجدعنة والرجولة.. إلخ.
والمدهش أن هذا المصطلح هو الآخر لم يهتز ولم يصبه خدش من حفلات التحرش الجماعى التى تتم لنساء مصر فى عز الضهر دون أن تجد فتاة واحدة من يدافع عنها أو يرد عنها كيد الذئاب البشرية السارحة فى شوارع أهل النخوة والرجولة.
الوقفة أمام مرآة الحقيقة ستخبرك بأن تصورات الشعب المصرى عن نفسه سواء كان حاكما أو محكوما بها من الأوهام ما لا طاقة للكون على استيعابها فلا نحن ملوك الشهامة ولا نحن ملوك الجدعنة ولا نحن متدينين بالفطرة، وفى القصة القصيرة التالية كل الحقيقة ومعظم العبر، والقصة عبارة عن حادث قاس ومن فرط قساوته على النفس سأحكيها مجردة دون تدخل، لأن التدخل سيكون على قدر قسوة تفاصيلها:
بطلة الحادث فتاة طبيعية عمرها 20 عاما اسمها إيمان مصطفى محمد كانت تسير مع صديقتها خلال فترة الظهيرة فى الشارع الرئيسى بقريتها «الكابلات محافظة أسيوط».. فجأة امتدت يد لتمسك بجزء حساس من جسدها، هكذا وفى عز الضهر وأمام كل البشر وكأن التحرش أصبح أمرا اعتياديا، وككل بنات مصر اللاتى فقدن الثقة فى رجالها بدأت إيمان فى الدفاع عن نفسها بما تملكه من أسلحة «صراخ وسباب» وفى النهاية بصقت على وجه المتحرش وهددته بأهلها حينما تخاذل الرجال عن نصرتها، ولأن الرجال جلسوا للفرجة فقط اقترب منها المتحرش وركلها وضربها وأسقطها على الأرض، وحينما تمادت صديقتها فى الصراخ ولم يتحرك أحد من الذين يرون فى أنفسهم أهل نخوة ورجولة أطلق المتحرش طلقات الرصاص من بندقيته ليقتل الضحية بعد أن اغتالها معنوياً، وبكل بساطة وكأن القتيل فرخة هرب القاتل لتموت إيمان دون أن يدافع عنها أهل «الشنبات» أو الشهامة وطبعاً كما هى العادة تجمع الأهالى حول الجثة وحضرت الشرطة بعد أن انتهى المشهد.
حتى اللحظة التى نعيشها لم يقتص أحد لإيمان لا الشرطة ولا الأهل ولا هؤلاء الذين جلسوا على طرقات الشارع يتفرجون على مشهد التحرش، حتى اللحظة لم يدرك أحد أن كل تصوراتنا عن أنفسنا وهمية بدليل أن قصة إيمان يعاد تمثيلها كل يوم فى شارع مختلف من شوارع مصر المحروسة مرة تنجو الضحية من القتل والدم وتعيش ذليلة بذكريات انتهاك كرامتها وتخاذل الرجال عن نصرتها، ومرة تموت الضحية عشرات المرات مثلما حدث مع إيمان.x
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة