«كله بيهلب فى كله» والسوق المصرية أشبه بحلقات المصارعة الرومانى والزبون مسحول على الأرض مثبت الكتفين معدوم القوة عديم الحيلة، لذلك أصبح دخولنا لأى متجر أو شراء أى سلعة مغامرة غير محسوبة العواقب، فلا تسعير ولا جودة ولا ضمان ولا اطمئنان، والسوق غارقة فى سلع غذائية فاسدة وسلع كهربائية تالفة وسلع معمرة ميتة وخدمات مضروبة، وعليك أن تشترى مخيرا أو مجبرا وبأغلى الأسعار لأن السوق كله كده.. كل هذا القهر الاستهلاكى ولم يكتفوا، بل يتفننون فى صناعة الأزمات واستغلال احتياجات الناس حتى وصلت إلى المتاجرة علينا فى المياه المعدنية مع ترويج إعلامى للمئات من حوادث التسمم بسبب دخول شبكة الشرب على المجارى. ليصبح شربنا من الحنفية الذى تربينا عليها جميعا أشبه بالانتحار الجماعى.. فإلى متى ستظل الدولة مشغولة بالشؤون السياسية والدستورية ونحن نعيش منظومة استهلاكية جديدة نحو إبادة شعب.. ولماذا لم نشعر بأى تأثير لمقابلات المسؤولين مع رجال الأعمال.. فلا الأسعار انخفضت ولا الجودة ارتفعت.. بل كلما تقابل الطرفان فوجئنا بموجة غلاء جديدة وكأن رجال الأعمال سيدفعون التعويضات من جيوبنا الخاصة وعوضنا عليك يا رب.. حتى أسعار خدمات الحكومة تضاعفت وجودتها تضاءلت حتى انقرضت فى بعض المناطق.. وكأن هناك اتفاقا ضمنيا بينهما لقهرنا جميعا فلا يخلو بيت الآن من مشكلة فى فواتير الكهرباء أو فواتير المياه التى تصل إلى أسعار فلكية وكأننا نستورد المياه من الصين أو كأن شبكة المياه تصلح للاستخدام الآدمى.. أما الكهرباء فحدث ولا حرج فنحن ندفع خدمة «ساعة تروح وساعة تيجى» لنظل نصرخ كالمجانين «النور قطع، النور جه» ناهيك عن رسوم جمع القمامة التى أصبحت أكوامها من معالم العاصمة.. فهل نشتكى السوق للحكومة أم نشتكى الحكومة لقوانين السوق أم نشتكى الاثنين لمنظمات التجارة الدولية وحقوق الإنسان الطبيعية.. ولماذا قررنا كمجتمع أن نزايد على خدماتنا بهذا الشكل العجيب وكأنها حرب باردة فيرفع التاجر أسعار بضائعه ليلاحقه الحرفيون فى زيادة أسعار أعمالهم وليلاحقهم المهنيون فى مضاعفة أجورهم حتى المرتشون دخلوا المولد وزايدوا فى قيمة الرشاوى.. لا أتصور الوصول إلى استقرار حقيقى ونحن نعيش فى هذه المزايدة الرخيصة، فنحن نتأسف على حال الفقراء ليل نهار والغلاء والتضخم مثل النار يلتهمان مواردهم القليلة ونصرخ خائفين من مجاعة ونحن نتاجر على بعضنا البعض فى كل شىء.. مشكلة السوق فى مصر هى الأولى فى أجندة الإصلاح. احترام حقوق المستهلك والمواطن هو أساس الحقوق الإنسانية، فلا إنسانية فى شرب مياه الصرف أو طعام نصفه فاسد.. وهدوء الشارع المصرى لن يعود إلا بعد استقرار السوق وعودة دور الدولة والمجتمع المدنى لحماية المستهلك بداية من الاحتكار والغلاء وانتهاء بالتسمم.. أما لو استمر الحال على نفس المتاهة وبنفس الاستهتار فلن تستقر النفوس ولن ترتاح.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة