نحن نميل للأمور نصف الواضحة ونصف الغامضة، التى تحمل أكثر من تفسير وأكثر من احتمال وتمنح البعض شعورا متزايدا بقدرتهم على معرفة ما يجرى, ضربنا مثلا بنخنوخ وما يدور حوله من قصص وحكايات ترتفع به إلى مصاف الأساطير وتهبط به إلى ما دون المجرم الصغير.
فإذا صدقنا كل ما يقال حوله نحن أمام أحد زعماء المافيا الأسطوريين، الذى يدير منظمة للجريمة تمتد شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، وإذا صدقنا ما يقوله هو عن نفسه نحن أمام رجل غلبان من هواة الأسود والحيوانات المفترسة والأسلحة، لكن نفس الرجل الغلبان يهدد بفضح آخرين ويقول إن لديه الكثير مما يخص آخرين. وفى كل الأحوال فإن نخنوخ فرد ومثله آخرون فى كل المحافظات، ينتظر أن يتم القبض عليهم للقضاء على البلطجة والجريمة والمنظمة وتجارة السلاح والمخدرات التى تضاعفت خلال الشهور الأخيرة لما يقرب من خمسين مرة، حسب تقديرات رسمية.
ولا نعرف ما إذا كانت التحقيقات سوف تكشف الحقيقة وراء نخنوخ، الذى ربما يكون هناك من هم مثله فى كل المحافظات، يديرون أعمالا مختلفة تكون غالبا تحت سيطرة ومعرفة الأجهزة الأمنية التى تعتبر معرفتها بما يدور شرطا لاستمراره، وأن تكون كل العمليات التى تديرها العصابات بمعرفة الأجهزة، والحقيقة أنه منذ التسعينيات وحتى تنحى مبارك كانت هناك قصص عن رجال غامضين تتردد أسماؤهم ويظهرون فى حفلات المجتمع من دون أن يعرف أحد لهم وظيفة أو عملا، لكنهم مع هذا كانوا موجودين فى الكثير من الاحتفالات والمناسبات، وبعضهم كانت تربطه علاقات بالحزب الوطنى والسياسة والانتخابات، وقال البعض إن هؤلاء هم من كانوا يقفون وراء عمليات السرقة بالإكراه وقطع الطرقات، وسرقة السيارات، فضلا عن الفوضى، وإذا كان ذلك كذلك، فلا شك أن أجهزة الأمن تعرف زعماء العصابات ويمكنها القبض عليهم، وبهذا تقضى على الجريمة المنظمة.
ومع أهمية القبض على زعماء العصابات، يفترض الاعتراف بأن البلطجة والسرقة بالإكراه تضاعفت خلال الشهور الأخيرة، وتنوعت وظهر فيها وجوه جديدة ربما لا تعرف عنها أجهزة الأمن شيئا، فضلا عن ظهور بلطجية جدد يفرضون سطوتهم على الشوارع ومواقف السيارات ويمارسون خليطا من الجريمة واستغلال النفوذ، كما أن تجارة المخدرات والسلاح تضاعفت، فضلا عن رواج صناعة الأسلحة البيضاء والزرقاء، كالسنج والسيوف والمطاوى والخناجر، التى أصبحت جزءا عاديا من مشاهد مسلسلات الانفلات، ومن المؤكد أن وراء هذه المشاهد زعماء عصابات كبار أو صغار، يجب أن تسعى الداخلية للقبض عليهم أيضا.
وكل ما يطالب به المجتمع هو ألا تتحول قضية نخنوخ إلى سجال إعلامى، يستعرض فيه الجميع مهاراتهم، ثم يتم إغلاق الملف من دون أن يعرف الناس الحقائق حول الرجل وأسوده وسيديهاته، وألا يبقى الموضوع فى إطار التسلية وملف يغلق من دون معرفة الحقيقة، حتى لا يقع نخنوخ ويخرب باقى النخانيخ.