هو مثل ضابط البوليس الشريف، ما يرى لصا متلبسا إلا وتحفظ عليه وكبله وقدمه للعدالة، أو قال إنه مثل الجرّاح الماهر الذى ما إن يرى فى جسم أحدنا شيئا خبيثا حتى يستأصله ويبعده عنه، أو هو مثل الفلاح الكريم الذى يمضى بين حقول القطن ذات الأشواك الجارحة لا يعبأ بالدم الذى ينسال منه، ولا بالألم الذى يشعر به، لأن همه الأول هو أن يلتقط «الدودة» من أعواد القطن ليبرأ المحصول ويثمر الزرع، هو من وجهة نظرى «حارس الجمال» الذى يفنى حياته فى إصلاح ما نفسده وتجميل ما نقبحه، والذى تجبره مهنته الكريمة الشريفة على أن يطهر المجتمع من الأدران مثله كمثل الطبيب والضابط والفلاح والقاضى، لكننا للأسف نطلق عليه هذا اللقب المهين «زبال» أو «بتاع الزبالة» وإن أردنا أن نبجله نقول إنه «عامل نظافة» بينما هو فى الأصل أحد أهم القائمين على حراسة المجتمع من الموبقات والمقبحات، وأحد أجل المنفذين الحقيقيين لفضيلة إماطة الأذى عن الطريق، لكننا فى هذا الزمن المعوج لا ننظر إليه إلا بعين الريبة ولا نجده حتى نهرب منه، متأففين.
لا تحسبنى أكتب هذا الكلام لأستدر منك عطفا، أو لأرقق قلبك على حراس الجمال فتبتسم لهم بدلا من أن تتجهم فى وجوههم، أنا هنا أطالب القائمين على حكم مصر بالنظر إلى حال هذه الفئة من الناس، فلا يصح إن كنا حقا نريد أن نبنى مجتمعا حقيقيا فلابد أن ننتبه إلى الضعفاء المهمشين الذين لا يجدون منفذا ليعبروا فيه عن أنفسهم، قبل أن ينفجروا اعتصاما وتظاهرا وتمردا فنلوم عليهم بألسنتنا الحادة ونرميهم كالعادة بأنهم «هيخربوا البلد» فما وصل إليه حال «حراس الجمال» فى مصر أصبح لا يسر عدو ولا حبيب، فما من شارع إلا وتجد به أحدهم فى ملابسه الرثة وحاله اليائس، يحتال على ضيق حاله بالسؤال، ويذل نفسه «للرايح والجاى» من أجل جنيه أو يزيد، وقبل أن تعلن استياءك منه واستنكارك لسلوكه عليك أن تتذكر كم يتقاضى هذا الرجل لتعرف أنه «معذور» فما يتقاضاه لا يتعدى جنيهات لا تكفى حتى العيش الحاف، ولكل واحد منهم أسرة وأبناء ومسؤوليات فماذا يفعل غير أن يمد يده؟
من حيث العمل فلا أجد أكثر من هذه الفئة تفانيا فى العمل، ومن حيث المجهود فهم يكدون ويعرقون بما يعادل عشرة موظفين، أما من حيث الضريبة المعنوية التى يدفعها كل واحد منهم فأعتقد أنه لا أحد يقدر على أن يجاريهم فى هذا الأمر، ولا أعرف متى يلتفت لهؤلاء الأبرار الشرفاء أحد من صناع القرار فى مصر، فمن وجهة نظرى يجب أن يتساوى «حراس الجمال» فى الراتب مع مدرسى الجامعة، تماما كما فى كل الدول المتحضرة، كما يجب أن تهتم الدولة بملبسهم وصحتهم وهيئتهم بشكل خالص، فإنهم يتعرضون يوميا للأمراض والأتربة والميكروبات وهو الأمر الذى يؤثر سلبيا على حياتهم بطريقة لا تحتمل، أننى أعنى ما أكتبه حرفيا، وأطالب بأن يتساوى راتب عامل النظافة مع راتب مدرس الجامعة، ومن يريد أن يحسدهم على ما يتقاضونه فليجرب ليوم واحد ويعمل مكانهم.